[9] حديث أبي ذرّ: «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».

حديثٌ ضعيف جدّاً، وقد ذكره المحدّث الألباني رحمه الله([1])، وبين أنه روي من حديث عبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن الزّبير، وأبي ذرّ، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

ولا يفرح بكثرة هـٰذه الطرق؛ لأنه سيثبت بعد تخريج هـٰذه الروايات أن أكثر طرق هـٰذا الحديث شديدة الضّعف، لا يتقوّىٰ الحديث بمجموعها، وفيما يلي بيان ذلك:

  1. حديث ابن عباس:

أخرجه البزار([2])، والطبراني([3])، وأبو نعيم([4])، من طريق الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الصّهباء، عن سعيد بن جبير، عنه.

قال أبو نعيم: «غريبٌ من حديث سعيد، لم نكتبه إلّا من هـٰذا الوجه».

وقال البزّار: «وهـٰذا الحديث لا نعلم أحداً رواه إلّا الحسن بن أبي جعفر، والحسن لم يكن بالقوي، وقد حدّث عنه جماعةٌ من أهل العلم، واحتملوا حديثه، وكان أحد العبّاد».

وقال الهيثمي: «وفيه الحسن بن أبي جعفر؛ وهو متروكٌ»([5]).

وقال عنه البخاري: «منكر الحديث»([6])، وساق له الذهبي من مناكيره هـٰذا الحديث([7]).

وشيخه أبو الصّهباء الكوفي سكت عنه البخاري وأبو حاتم([8])، وذكره ابن حبّان في «الثقات»([9])، ووثّقه الذهبي([10])، وقال الحافظ ابن حجر: «مقبول»([11]).

  1. حديث ابن الزّبير:

يرويه ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه.

أخرجه البزّار([12]): عن يحيىٰ بن معلّىٰ بن منصور، عن ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة به.

وقال: «لم نسمعه بهـٰذا الإسناد إلّا من يحيىٰ».

وعبد الله بن لهيعة ضعيف؛ لسوء حفظه، ثمّ لتدليسه، وقد عنعن عن أبي الأسود، ولم يصرّح بالتّحديث، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين([13])، وهي لـ«من ضعّف بأمر آخر سوىٰ التّدليس، فحديثهم مردودٌ ولو صرّحوا بالسّماع، إلّا إن توبع من كان ضعفه منهم يسيراً، كابن لهيعة»([14])، وقال عنه: «اختلط في نهاية عمره، وكثر عنه المناكير في رواياته». وقال الذهبي: «العمل علىٰ تضعيف حديثه»([15]). وقال الحافظ ابن حجر: «صدوقٌ.. خلّط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون»([16]).

وأبو الأسود هو محمد بن عبدالرحمن بن نوفل، أبو الأسود المدني، يتيم عروة؛ ثقةٌ، روىٰ له الشيخان([17]).

  1. حديث أبي ذرّ:

له عنه طريقان:

الأول: عن الحسن بن أبي جعفر، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عنه، وهذا أخرجه الفسوي([18])، والطبراني([19])، وكذا البزّار([20])، بزيادة: «ومن قاتلنا في آخر الزّمان كان كمن قاتل مع الدّجّال».

وقال البزار: «وهـٰذا الكلام لا نعلمه يروىٰ عن النبي  إلّا عن أبي ذرّ من هـٰذا الوجه، لا نعلم تابع الحسن بن أبي جعفر علىٰ هـٰذا الحديث أحدٌ».

مداره علىٰ الحسن بن أبي جعفر وهو متروكٌ، وقد تقدّم قريباً، وشيخه علي بن زيد ــ وهو ابن جدعان ــ: ضعيف([21]).

والثاني: عن عبد الله بن داهر الرازي، حدّثنا عبد الله بن عبدالقدّوس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر([22])، أنه سمع أبا ذرّ الغفاري به.

أخرجه الطبراني([23])، وقال: «لم يروه عن الأعمش إلّا عبد الله بن عبدالقدّوس».

فيه عبد الله بن عبدالقدوس، وهو رافضي وضعفه الجمهور، قال ابن عدي: «عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت». وقال يحيىٰ: «ليس بشيء، رافضي خبيثٌ». وقال النّسائي:«ليس بثقة». وقال الدّارقطني: «ضعيف»([24]).

وعبد الله بن داهر، أبو سليمان الرّازي، المعروف بالأحمري؛ رافضي ضعيف متّهمٌ بالوضع.

قال ابن معين: «ليس بشيء، ما يكتب عنه إنسانٌ فيه خيرٌ»([25]).

وقال العقيلي: «رافضي خبيثٌ»([26]).

وقال ابن عدي ــ وقد أخرج له أحاديث في التّشيع ــ: «عامّة ما يرويه في فضائل علي، وهو فيه متّهمٌ»([27]).

وقال ابن حبّان: «يخطئ كثيراً حتّىٰ خرج عن حدّ الاحتجاج به فيما لم يوافق الثّقات، والاعتبار بما وافق الثقات»([28]).

وقال الذهبي: «قد أغنىٰ الله علياً عن أن تقرّر مناقبه بالأكاذيب والأباطيل»([29]).

وقال ابن الجوزي ــ وقد أخرج له حديثاً في التشيع ــ: «لا يتابع عليه..كان ممّن يغلو في الرّفض»([30]).

وقال الهيثمي: «وفي إسناد البزّار: الحسن بن أبي جعفر الجفري، وفي إسناد الطبراني: عبد الله بن داهر، وهما متروكان»([31]).

وذكر الألباني رحمه الله متابعاً للحسن بن أبي جعفر، من رواية المفضّل بن صالح عن أبي إسحاق به.

أخرجه الحاكم([32])، وقال: «صحيحٌ علىٰ شرط مسلم»، وردّه الذهبي([33]) بقوله: «مفضّلٌ خرّج له التّرمذي فقط، ضعّفوه». وقال في الموضع الآخر: «مفضّلٌ واه». وقال فيه البخاري: «منكر الحديث»([34]).

وقال ابن عدي: «أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، حيث قال له: اكشف عن بطنك، وسائره غير ذاك أرجو أن يكون مستقيماً»([35])، وكذا قال أبو حاتم([36]).

وقال التّرمذي: «ليس عند أهل الحديث بذٰلك الحافظ»([37]).

وقال ابن حبّان: «منكر الحديث جدّاً، كان ممن يروي المقلوبات عن الثّقات، حتّىٰ سبق إلىٰ القلب أنه كان المتعمّد لها من كثرته؛ فوجب ترك الاحتجاج به»([38]).

وفيه أبو إسحاق، وهو عمرو بن عبد الله بن عبيد السّبيعي، تابعي، كوفي، مكثرٌ من الرواية، ثقةٌ، اختلط بأخرة، روىٰ له أصحاب الكتب السّتّة([39])، وهو مشهور بالتدليس([40])، وجعله الحافظ في المرتبة الثّالثة من مراتب المدلّسين([41])، وهي لــ«من أكثر من التّدليس؛ فلم يحتجّ الأئمّة من أحاديثهم إلّا بما صرّحوا فيه بالسّماع، ومنهم من ردّ حديثهم مطلقاً».

وحنش بن المعتمر؛ فيه ضعفٌ، بل قال فيه ابن حبّان: «لا يشبه حديثه حديث الثّقات، كان كثير الوهم في الأخبار، ينفرد عن علي ــ؛ ــ بأشياء لا تشبه حديث الثقات؛ حتىٰ صار ممن لا يحتجّ به»([42]).

ورواه الفسوي([43]) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدّثه عن حنش به، وأوّله: «أيها الناس! إني قد تركت فيكم الثّقلين».

وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي حفيد أبي إسحاق، وهو «ثقةٌ تكلم فيه بلا حجّة»([44])، وروايته عن جدّه أبي إسحاق مقدمة علىٰ رواية غيره عنه؛ لكونه كان يحفظ حديث جدّه كما يحفظ السورة من القرآن([45])، وعليه فإن هـٰذه الطريق هي الثّابتة، وقد رجّحها الإمام الدّارقطني، حيث سئل عن هـٰذا الحديث فقال: «يرويه أبو إسحاق السّبيعي، عن حنش. قال ذٰلك الأعمش، ويونس بن أبي إسحاق، ومفضّل بن صالح. وخالفهم إسرائيل، فرواه عن أبي إسحاق، عن رجل، عن حنش، والقول عندي قول إسرائيل»([46]).

إلا أن فيه حنش بن ربيعة، وهو مختلفٌ فيه، والجمهور علىٰ تضعيفه، قال البخاري: «يتكلمون في حديثه»([47]). وقال أبو حاتم: «صالحٌ.. لا أراهم يحتجّون به»([48]). وقال النّسائي: «ليس بالقوي»([49]). ووثقه أبو داود والعجلي([50]). وقال الحافظ: «صدوقٌ له أوهامٌ ويرسل.. وأخطأ من عدّه في الصّحابة»([51]).

وهـٰذا إسنادٌ ضعيف منقطعٌ؛ من أجل «الرجل» المبهم المجهول الذي لم يسمّ، ولتدليس أبي إسحاق.

وهذه المتابعة مما لا يستشهد بها كما نصّ علىٰ ذلك الألباني:.

متابعةٌ أخرىٰ: رواه عبدالكريم بن هلال القرشي، قال: أخبرني أسلم المكّي: حدثنا أبو الطّفيل: أنه رأىٰ أبا ذرّ قائماً علىٰ هـٰذا الباب، وهو ينادي: «ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندبٌ، ألا وأنا أبو ذرّ، سمعت رسول الله  يقول فذكره.

أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني([52])، قال: أخبرنا أبو يعلىٰ [هو الموصلي]، حدّثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدّثنا عبد الكريم بن هلال القرشي، به.

وهـٰذا إسنادٌ ضعيف منكرٌ، فيه عبدالكريم بن هلال القرشي الخلقاني الكوفي، وقد قال الذهبي: «لا يدرىٰ من هو؟!»([53]).

وفيه أيضاً أسلم بن سليم المكّي، وهو مجهول الحال، انفرد ابن حبّان بذكره في الثقات، وقال: «يروي عن أبي الفضل، روىٰ عنه عبدالكريم بن هلال الخلقاني الكوفي»([54]).

  1. حديث أبي سعيد الخدري:

يرويه عبدالعزيز بن محمد بن ربيعة الكلابي: حدثنا عبدالرحمن بن أبي حماد المقرىٰء، عن أبي سلمة الصّائغ، عن عطية عنه. أخرجه الطبراني([55])، وقال: «لم يروه عن أبي سلمة إلّا ابن أبي حماد، تفرّد به عبدالعزيز بن محمد بن ربيعة»، ولم أجد له ترجمةً.

وأما عبدالرحمن بن أبي حماد المقرىٰء؛ نصّ أبو محمد ابن أبي حاتم([56]) أنه عبدالرحمن بن شكيل، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وأما أبو سلمة الصّائغ؛ فقال أبو حاتم الرازي: «شيخٌ مجهولٌ»([57])، وقال أبو داود: «ما سمعت إلّا خيراً»([58])، وإن سلّمنا بقول أبي داود في أبي سلمة؛ فيكفي لإسقاط الحديث جهالة عبدالعزيز و ابن أبي حماد، وضعف عطية وهو العوفي، وقد تقدم.

وقال الهيثمي: «رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه جماعةٌ لم أعرفهم»([59]).

  1. حديث أنس:

يرويه أبان بن أبي عياش عنه.

أخرجه الخطيب البغدادي([60]).

وأبان هو ابن فيروز أبي عياش، وقد ضعّفه أهل العلم، وقال أحمد وابن معين وأبو حاتم والنّسائي والفلاس:»متروك الحديث«، وبنحوه قال أبو زرعة([61]).

قال الألباني رحمه الله: «وبهـٰذا التخريج والتحقيق؛ يتبين للناقد البصير أن أكثر طرق الحديث شديدة الضّعف، لا يتقوّىٰ الحديث بمجموعها».

وعلىٰ هذا فلا ترتقي هذه الطرق إلىٰ التحسين؛ لأنه لم يسلم طريق من علة قادحة لا تنجبر.

 

([1])        «السلسلة الضّعيفة» (10/5 ــ 11).

([2])       «مسند البزار» (2615).

([3])       «المعجم الكبير» (2638، 12388).

([4])       «حلية الأولياء» (4/306).

([5])       «مجمع الزوائد» (9/168)

([6])       «الضعفاء والمتروكون» (211).

([7])        «ميزان الاعتدال» (6692).

([8])       «الكنىٰ» الملحق بــ«التاريخ الكبير» للبخاري (372)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (9/395).

([9])       (7/657).

([10])     «الكاشف» (6692).

([11])      «تقريب التهذيب» (8241).

([12])     «كشف الأستار» (2613).

([13])     «تعريف أهل التقديس» (140).

([14])     «تعريف أهل التقديس» ص63.

([15])     «الكاشف» (2934).

([16])     «تقريب التهذيب» (3587)

([17])     «تهذيب الكمال» (25/645).

([18])     «المعرفة والتاريخ» (1/538).

([19])     «المعجم الكبير» (3/37/2636).

([20])    «كشف الأستار» (3/222/2614)، وهو في «مسند البزّار» (3900).

([21])     «تقريب التهذيب» (4768)، وانظر ترجمته في «تهذيب الكمال» للمزي (3513)، وروىٰ له مسلم مقروناً بثابت البناني، وليس علىٰ سبيل الاحتجاج.

([22])    حنشٌ مختلفٌ فيه، والجمهور علىٰ تضعيفه كما سيأتي.

([23])    «المعجم الصّغير» (391).

([24])    «الكامل» (4/197)، «ميزان الاعتدال» (4431).

([25])    «العلل للإمام أحمد» (3859).

([26])    «الضّعفاء» (805).

([27])    «الكامل» (4/228).

([28])    «المجروحين» (2/502).

([29])    «ميزان الاعتدال» (4295).

([30])    «العلل المتناهية» (1/206).

([31])     «مجمع الزوائد» (9/168).

([32])    «المستدرك» (2/343)، (3/150).

([33])    «تلخيص المستدرك».

([34])    «التاريخ الأوسط» (2/241).

([35])    «الكامل» (6/410).

([36])    «الجرح والتعديل» (8/316).

([37])    «جامع الترمذي» (2592).

([38])    «المجروحين» (1055).

([39])    انظر: «تهذيب الكمال» (22/102).

([40])    «جامع التحصيل» ص109، 245.

([41])     «تعريف أهل التقديس» (91).

([42])    «المجروحون» (1/333).

([43])    «المعرفة والتاريخ» (1/538).

([44])    «تقريب التهذيب» (405).

([45])    «تهذيب الكمال» للمزي (2/515).

([46])    «العلل» (6/236).

([47])    «التاريخ الكبير» (342).

([48])    «الجرح والتعديل» (3/291).

([49])    «الضعفاء» (168).

([50])    «سؤالات الآجري» (484)، «معرفة الثقات» (373).

([51])     «تقريب التهذيب» (1586).

([52])    «الأمثال في الحديث النّبوي» (333)

([53])    «ميزان الاعتدال» (5173)، «المغني في الضعفاء» (3786)، «ديوان الضعفاء» (2597).

([54])    «ثقات ابن حبان» (6/46).

([55])    «المعجم الصّغير» (825)، «المعجم الأوسط» (5870)، إسناداً ومتناً باختلاف طفيف.

([56])    «الجرح والتعديل» (5/244).

([57])    «الجرح والتعديل» (9/384).

([58])    «سؤالات الآجري» (496).

([59])    «مجمع الزوائد» (9/168).

([60])    في «تاريخ بغداد» (12/91).

([61])     «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (3625)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم     (2/295)، «الكامل» لابن عدي (1/381 ــ 382)، «تهذيب الكمال» للمزي (2/19).