حديث زيد بن أرقم
23-03-2023
[4] حديث زيد بن أرقم: «إني تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض».
هـٰذا الحديث مضطربٌ وفيه نكارةٌ؛ فلا تقوم به حجّةٌ.
أخرجه البزّار([1])، والطّبراني([2])، والحاكم([3])، ثلاثتهم من طريق الحسن بن عبيدالله([4]) النّخعي، عن أبي الضّحىٰ مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «إني تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرّقا حتّىٰ يردا علي الحوض».
وفي رواية الطّبراني: «وعترتي أهل بيتي».
قال البزّار: «لا نعلم روىٰ مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم إلّا هـٰذا الحديث».
وقال الحاكم: «حديثٌ صحيح الإسناد، علىٰ شرط الشّيخين ولم يخرّجاه»، وسكت الذهبي.
قلت: لا، ليس هو علىٰ شرط الشّيخين؛ فإن الحسن بن عبيد الله النّخعي ــ وإن كان ثقةً فاضلاً([5]) ــ إلّا أن البخاري لم يخرّج له؛ وقد صرّح بالسّبب بقوله: «لم أخرّج حديث الحسن بن عبيد الله؛ لأن عامّة حديثه مضطربٌ»([6]).
وأيضاً في إسناد الحاكم: يحيىٰ بن المغيرة بن إسماعيل السّعدي؛ لم يخرّج له الشّيخان، وهو «صدوقٌ» كما قال الحافظ ابن حجر([7]).
وسماع أبي الضّحىٰ مسلم بن صبيح من زيد بن أرقم رضي الله عنه فيه نظرٌ، وإن كان الإمام مسلمٌ([8]) قد ذكر في كتابه «الكنىٰ» ما يدلّ علىٰ ذٰلك، حيث قال: «سمع من زيد». ولا معارض له، إلّا أن أبا الضّحىٰ لم يشتهر بالأخذ عنه، خاصّةً مع قول البزّار: «لا نعلم روىٰ مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم إلّا هـٰذا الحديث».
ويمكن أن يردّ سماعه من زيد المستفاد من «كنىٰ» مسلم بأن مسلماً جرىٰ في كتابه «الكنىٰ» علىٰ طريقة واحدة، وهي أنه يقول في المترجم: «سمع من فلان وفلان»، بمعنىٰ أن الراوي المذكور وجد في الأسانيد يروي عن فلان وفلان، ولم يقصد مسلمٌ النّصّ علىٰ السّماع الاصطلاحي المعتبر الذي يفيد سماع المترجم من المذكورين وأخذه عنهم ومن ثمّ صحّة الرواية، أي إن قول مسلم: «سمع من فلان وفلان» هو من قبيل قول المزّي في «تهذيب الكمال»: «يروي عن». ويقوّي ذٰلك أن مسلماً لم يسأل مباشرةً عن سماع مسلم بن صبيح من زيد بن أرقم.
وهـٰذه المسألة وإن كانت ليست بتلك العلّة التي يردّ بها الحديث إن كانت منفردةً، إلّا أنها إذا أضيفت إلىٰ أخواتها من العلل التي سيأتي ذكرها؛ تبين أنها علّةٌ معتبرةٌ عند النّظر.
هذا، وإن كان ظاهر الإسناد يوحي بصحّته إلّا أنه حديثٌ مضطربٌ؛ لأن مخرجه واحدٌ، والحادثة كذٰلك واحدةٌ لم تتكرّر، ومتن الحديث مخالفٌ لرواية زيد بن أرقم رضي الله عنه في «صحيح مسلم»، ومخالفٌ أيضاً لحديث حجّة النّبي الطويل المخرّج كذٰلك في «صحيح مسلم»([9])، وتقدم أيضاً، ولفظه: «تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله».
وإذا قارنّا بين الرواية التي ساقها الشيعي وروايتي مسلم نلاحظ الآتي:
- إن روايتي مسلم عن زيد وجابر ليس فيهما: «وإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض»، وعليه فهي زيادةٌ منكرةٌ.
- إن جملة: «وأهل بيتي» في حديث زيد في «صحيح مسلم» جاءت مقيدةً أو مفسّرةً بالتّذكير والحضّ علىٰ مراعاة آل البيت بالتّودّد إليهم وتأدية حقوقهم؛ لقرابتهم منه ، فقال: «وأهل بيتي؛ أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي!».
- إن رواية «مسلم» من طريق الصّادق عن البّاقر ــ وكلاهما من أئمّة آل البيت ــ عن جابر؛ فيها فقط: «الاعتصام بكتاب الله»، وليس فيها ذكرٌ لآل البيت. ولو كان الأمر بالتّمسّك بالعترة ثابتاً عن النبي ؛ لكان دافعاً قوياً للإمامين البّاقر والصّادق أن يذكرا هـٰذه الفضيلة، وحيث إنهما لم يذكراها؛ فإنه يدلّ علىٰ أن ذكر التّمسّك بالعترة مقحمٌ في الحديث من أحد الرّواة.
ولا ريب أن هـٰذا التّفاوت الكبير بين المتون الكثيرة لهـٰذا الحديث يدلّ علىٰ اضطرابه، سواءٌ من طريق زيد أو غيره، ويؤكّد أيضاً علىٰ أن رواية «مسلم» عن زيد وجابر لهـٰذا الحديث هي المعتمدة؛ لسلامتها من النّقد، بينما باقي الرّوايات في غير «صحيح مسلم» لا تخلو من علّة وإن تفاوتت.
ومن المؤكّد أن الاضطراب والنّكارة في هـٰذا الحديث أتت من جهة الحسن بن عبيد الله النّخعي، وقد أشار إلىٰ ذٰلك الإمام البخاري فيما تقدّم بقوله: «عامّة حديثه مضطربٌ»([10]).
([2]) «المعجم الكبير» (4980،4981).
([4]) في «المستدرك»: «عبدالله»؛ وهو خطأٌ، والصّواب ما أثبتّه.
([5]) «تقريب التّهذيب» لابن حجر (1264)، وانظر: «تهذيب الكمال» (6/199 ــ 201).
([6]) «تهذيب التهذيب» (2/292).