مراجعة الشيعي عبدالحسين 8
22-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [8]
15 ذي القعدة سنة 1329 هـ
نحن ما أهملنا البينة من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل أشرنا إليها في أول مراجعتنا صريحة بوجوب اتباع الأئمة من أهل البيت دون غيرهم. وذٰلك حيث قلنا: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب، وسفن النجاة، وأمان الأمة، وباب حطة، إشارة إلىٰ المأثور في هـٰذه المضامين من السنن الصحيحة، والنصوص الصريحة. وقلنا إنكم ممن تغنيه الكناية عن التصريح، ولا يحتاج مع الإشارة إلىٰ توضيح.
فكلام أئمتنا إذاً يصلح ــ بحكم ما أشرنا إليه ــ لأن يكون حجّة علىٰ خصومهم، ولا يكون الاحتجاج به في هـٰذه المسألة دورياً كما تعلمون.
وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أهاب في الجاهلين وصرخ في الغافلين، فنادىٰ:
[1] «يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي».
[2] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلىٰ الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
[3] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلىٰ الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض».
[4] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض»([1]).
[5] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني أوشك أن أدعىٰ، فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلىٰ الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
[6] ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن فقال: «كأني دعيت فأجبت. إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالىٰ وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتىٰ يردا علي الحوض.ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولىٰ كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهـٰذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». الحديث بطوله([2]).
[7] وعن عبد الله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله بالجحفة فقال: «ألست أولىٰ بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلىٰ يا رسول الله.قال: «فإني سائلكم عن اثنين: القرآن وعترتي».
- والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابياً متضافرة. وقد صدع بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواقف له شتىٰ، تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة من علىٰ منبره في المدينة، وأخرىٰ في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة بأصحابه، إذ قال:
[8] «أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلّف فيكم كتاب الله عز وجل، وعترتي أهل بيتي». ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: «هـٰذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي، لا يفترقان حتىٰ يردا علي الحوض». الحديث.
وقد اعترف بذٰلك جماعة من أعلام الجمهور، حتىٰ قال ابن حجر ــ إذ أورد حديث الثقلين ــ: «ثم اعلم أن لحديث التمسك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا». قال: ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه، وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذٰلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرىٰ أنه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه. وفي أخرىٰ أنه قال ذٰلك بغدير خم، وفي أخرىٰ أنه قال ذٰلك لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مر، قال: ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذٰلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة» إلىٰ آخر كلامه.
وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكفىٰ بذٰلك حجّة تأخذ بالأعناق إلىٰ التعبد بمذهبهم، فإن المسلم لا يرتضي بكتاب الله بدلاً، فكيف يبتغي عن أعداله حولاً.
علىٰ أن المفهوم من قوله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي» إنما هو ضلال من لم يستمسك بهما معاً كما لا يخفىٰ. ويؤيد ذٰلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين عند الطبراني: «فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»([3]).
قال ابن حجر: «وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» دليل علىٰ أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما علىٰ غيره». إلىٰ آخر كلامه.
ومما يأخذ بالأعناق إلىٰ أهل البيت، ويضطر المؤمن إلىٰ الانقطاع في الدين إليهم، قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
[9] «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق».
[10] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له».
[11] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف [في الدين]([4])، فإذا خالفتها قبيلة من العرب [يعني في أحكام الله عز وجل]([5])؛ اختلفوا فصاروا حزب إبليس».
هـٰذا غاية ما في الوسع من إلزام الأمة باتباعهم، وردعها عن مخالفتهم. وما أظن في لغات البشر كلها أدل من هـٰذا الحديث علىٰ ذٰلك.
والمراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمتهم، وليس المراد جميعهم علىٰ سبيل الاستغراق، لأن هـٰذه المنزلة ليست إلا لحجج الله والقوامين بأمره خاصة، بحكم العقل والنقل. وقد اعترف بهـٰذا جماعة من أعلام الجمهور، ففي «الصواعق المحرقة» لابن حجر: «وقال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان، علماؤهم لأنهم الذين يهتدىٰ بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون.
قال: «وذٰلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه أن عيسىٰ يصلي خلفه، ويقتل الدجّال في زمنه، وبعد ذٰلك تتتابع الآيات». إلىٰ آخر كلامه.
[12] وذكر في مقام آخر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما بقاء الناس من بعدهم؟ قال: «بقاء الحمار إذا كسر صلبه»([6]).
وأنت تعلم أن المراد بتشبيههم ؟م بسفينة نوح، أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن آوىٰ يوم الطوفان إلىٰ جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء وهـٰذا في الحميم والعياذ بالله.
والوجه في تشبيههم ؟م بباب حطة هو أن الله تعالىٰ جعل ذٰلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه، وبهـٰذا كان سبباً للمغفرة. وقد جعل انقياد هـٰذه الأمة لأهل بيت نبيها والاتباع لأئمتهم مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه، وبهـٰذا كان سبباً للمغفرة. هـٰذا وجه الشبه، وقد حاوله ابن حجر إذ قال ــ بعد أن أورد هـٰذه الأحاديث وغيرها من أمثالها ــ: «ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذٰلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان».
إلىٰ أن قال: «وباب حطة ــ يعني ووجه تشبيههم بباب حطة ــ أن الله تعالىٰ جعل دخول ذٰلك الباب الذي هو باب أريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهـٰذه الأمة مودة أهل البيت سبباً لها» ا هـ.
والصحاح في وجوب اتباعهم متواترة، ولاسيما من طريق العترة الطاهرة، ولولا خوف السأم، لأطلقنا في استقصائها عنان القلم، لكن الذي ذكرناه كاف لما أردناه. والسلام.
([1]) جاء في الحاشية: «أخرجه الحاكم في (3/148) من «المستدرك»، ثم قال: «هـٰذا حديث صحيح الإسناد علىٰ شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه الذهبي في «تلخيص المستدرك» معترفاً بصحته علىٰ شرط الشيخين».
قلت: ليس علىٰ شرط الشّيخين كما سيأتي في تخريج الحديث. ثم لا يقال عمّا اختصره الذهبي في «تلخيص المستدرك»: «أخرجه»، بل يقال: «أورده»، ولا يقال أيضاً: «معترفاً بصحّته!»؛ لأن الذهبي لم يكن في موطن محاججة أو مناظرة، بل هو مختصرٌ للمستدرك.
([2]) جاء في الحاشية: «أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم مرفوعاً في (3/109) من «المستدرك»، ثم قال: «هـٰذا حديث صحيح علىٰ شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».
قلت: ليس علىٰ شرط الشّيخين كما سيأتي في التخريج، و الإسناد في الموضع الأول من «المستدرك» هو إسنادٌ ضعيف منكرٌ كما بينت فيما سبق عدا الشّطر الأخير وهو قوله: «من كنت مولاه فهـٰذا وليه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»؛ فهو مختلفٌ في صحّته، وسيأتي تخريجه (1) تحت المراجعة (54)، وإن صحّ فلا يدلّ علىٰ ما ذهب إليه الشّيعة.
وقال أيضاً: «وأخرجه من طريق آخر عن زيد بن أرقم في (3/533) من «المستدرك» ثم قال: «هـٰذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
قلت: ليس علىٰ شرط الشّيخين كما سيأتي في التخريج، والإسناد في الموضع الثاني من «المستدرك» هو إسنادٌ حسنٌ. وقال أيضاً: «وأورده الذهبي في «تلخيصه» معترفاً بصحته».
قلت: لا يقال عمّا اختصره الذهبي في «التلخيص»: «معترفاً بصحّته»!!؛ لأن الذهبي لم يكن في موطن محاججة أو مناظرة، بل هو مختصرٌ للمستدرك.
([3]) حديثٌ ضعيف جدّاً، ويحسن التّنبيه علىٰ أمرين:
الأول: أعاد عبدالحسين ذكر هـٰذه الزّيادة الضّعيفة سنداً ومتناً أكثر من مرّة في كتابه «المراجعات»: المراجعة (4) و (10) الحديث (8)، وقد صرّح في هـٰذه المواطن بأن هـٰذه الزيادة المنكرة قد رواها الإمام الطّبراني. بل وذكرها عبدالحسين في بعض كتبه الأخرىٰ.
الثاني: إن ذكر الهيتمي في «الصواعق» لهـٰذه الزيادة الضّعيفة وشرحه لها دون بيان ضعفها لا يعدّ دليلاً علىٰ صحّتها؛ لكونه ليس من علماء الحديث المعتبرين كما هو ثابتٌ ومقرّرٌ ومعروفٌ.
([4]) ما بين المعكوفين زيادةٌ بقلم الشيعي، وليست في شيء من ألفاظ الحديث، لا في «المستدرك» ولا في غيره.
([5]) هذه أيضاً زيادةٌ بقلم الشيعي، وليست في شيء من ألفاظ هذا الحديث.
([6]) حديثٌ حسنٌ لغيره بطريق الإمام أحمد الثّانية ــ في «مسنده» ــ كما سيأتي عند تخريج الحديث (12) من هـٰذه المراجعة. ونلاحظ بجلاء أنه ليس فيه ذكرٌ لآل البيت من قريب أو بعيد.