نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [6]

نقل عبدالحسين بعض أقوال علي بن أبي طالب والحسن وعلي بن الحسين رضي الله عنه؛ ليثبت من خلالها وجوب اتّباع بعض أهل البيت دون بقيتهم من أقارب النّبي  ونسائه؛ وأطال في ذٰلك كثيراً وكان يكفي بعضه.

ولكنه لم يتنبّه إلىٰ أمر هامّ جدّاً، ألا وهو أن أكثر ما نقله عن علي رضي الله عنه قد أخذه من كتاب «نهج البلاغة» كما صرّح بذٰلك في الحواشي.

وهـٰذا الكتاب لا يحتجّ به في المناظرة ولا المحاججة، ولا يصلح في إقامة حجّة ولا إنارة محجّة؛ لأنه لم تثبت نسبته إلىٰ علي رضي الله عنه؛ فلا إسناد له ولا خطام. وبناءً علىٰ ذٰلك فإنه لم يأت بدليل مستقيم، وسقط ما نسبه إلىٰ أمير المؤمنين وذرّيته الطّيبين.

وها هو تعريفٌ بحقيقة كتاب «نهج البلاغة» ومؤلّفه، يعقبه وصف حال شارحه عبدالحميد بن أبي الحديد الشيعي، وهو ليس مما يخفىٰ عليه فيما أظنّ:

أولا: ما يتعلّق بكتاب «نهج البلاغة»:

لقد اشتهر عند عامّة الشيعة أن كتاب «نهج البلاغة» ثابتٌ عن علي بن أبي طالب ؟ا، فاكتفوا بهـٰذه الشّهرة كما هو شأنهم في كل ما ينسب إلىٰ الأئمّة الاثني عشر، ولم يتنبّهوا إلىٰ ضرورة النّظر في إسناد هـٰذا الكتاب، ولم يتثبّتوا مما جاء فيه من نصوص عن علي رضي الله عنه.

ومما لا شكّ فيه أن نسبة كتاب ما إلىٰ شخص ما ليست كافيةً في إثبات حقيقة هـٰذه النّسبة إليه، وهـٰذا ــ كما لا يخفىٰ ــ من المسلّمات عند مبتغي الحقيقة والمحقّقين من أهل النّقل والعقل.

والمطّلع من الناس يعلم كثرة الكتب والوثائق المزوّرة المنتحلة والمنسوبة إلىٰ غير أصحابها، وأن النّظر في الأسانيد، والبحث عن حقيقة هـٰذه الكتب والوثائق؛ كان السبب الرئيس في كشف محاولات التزوير تلك.

أمّا مؤلف الكتاب؛ فهو علي بن حسين بن موسىٰ المرتضىٰ، قال الإمام الذهبي رحمه الله: «ولد سنة 355، وهو جامع كتاب نهج البلاغة، المنسوبة ألفاظه إلىٰ الإمام علي رضي الله عنه، ولا أسانيد لذٰلك، وبعضها باطلٌ، وفيه حقٌّ، ولكن فيه موضوعاتٌ حاشا الإمام من النّطق بها. وقيل: بل جمع أخيه الرّضىٰ».

وقال أيضاً: «هو المتّهم بوضع كتاب نهج البلاغة»([1]).

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: «يقال إنه هو الذي وضع كتاب نهج البلاغة»([2]).

وقال ابن خلّكان: «وقد اختلف النّاس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ هل هو جمعه [أي المرتضىٰ] أم جمع أخيه الرّضىٰ؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه»([3]).

وعلىٰ كل حال؛ فبين علي رضي الله عنه المتوفّىٰ سنة (40 هـ)، وبين الرّضىٰ المتوفّىٰ سنة (406 هـ) والمرتضىٰ المتوفّىٰ سنة (436 هـ) مفاوز زمنيةٌ تزيد علىٰ ثلاثة قرون.

فكتاب «نهج البلاغة» إذاً بغير خطم ولا أزمّة، ولا وزن له من النّاحية العلمية، وفي ضوء المنهج العلمي لا يعتبر حجّةً في أي فرع من فروع الشّريعة فضلاً عن أصول العقيدة.

وإذا ثبت أن هـٰذا الكتاب من تأليف الرّضىٰ الشّاعر ــ كما تقدّم وكما سيأتي ــ فإن هـٰذا الشاعر رافضي جلدٌ لا يحتجّ بروايته كما هو معلومٌ من ترجمته. وهـٰذا يعني أن «نهج البلاغة» لو كان مسنداً من طريقه لما جاز الاحتجاج به، فكيف إذا خلا تماماً من الإسناد؟!

هـٰذا.. وقد ظهرت في عام (1406 هـ 1986م) طبعةٌ جديدةٌ لكتاب «نهج البلاغة»، وجاء تحت العنوان ما يأتي: «نسخةٌ جديدة محققّة وموثّقةٌ، تحوي ما ثبت نسبته للإمام علي رضي الله عنه وكرّم الله وجهه([4]) من خطب ورسائل وحكم. تحقيق وتوثيق دكتور صبري إبراهيم السّيد، تقديم العلّامة المحقّق الأستاذ عبدالسلام محمد هارون».

قال الأستاذ عبدالسلام هارون: في تقديمه لهـٰذه الطبعة: «إنها قضيةٌ ذات كتاب: أو كتابٌ ذو قضية. فكتابنا هـٰذا «نهج البلاغة» يعدّ في طليعة أمّهات كتب الأدب العربي، ولا تكاد مكتبة أديب حفي بالتّراث العربي تخلو من الظّفر به أو اقتنائه، وكنّا إلىٰ الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه:

أولاهما: من هو صانع هـٰذا الكتاب؟ أهو الرّضىٰ، أم هو أخوه المرتضىٰ؟

والأخرىٰ: مدىٰ صحّة هـٰذا الحشد الهائل من الخطب والرّسائل والحكم، أو بعبارة أدقّ: ما مدىٰ توثيق هـٰذا الكمّ الضخم ونسبته إلىٰ الإمام علي كرّم الله وجهه؟ ومن ذا الذي يقضي في هـٰذه المسائل؟

فإن كثيرين من علماء القرن السادس الهجري يزعمون أن معظم هـٰذه النصوص لا يصحّ إسناده إلىٰ الخليفة الإمام([5])، وإنما هو صناعة قوم من فصحاء الشيعة، صنعوه ليزيدوا الناس يقيناً بما عرفوه من فصاحة الإمام واقتداره، مع أن فصاحة وبلاغة وسموّ بيانه لا تحتاج إلىٰ دليل، أو تفتقر إلىٰ برهان، وزعموا أيضاً أن الشّريف الرّضىٰ أو غيره من الشيعة نظموا أنفسهم في سلك هـٰؤلاء الأقوام.

وقالوا: إنه مما يحيي هـٰذا الشّكّ ويقوّيه: ما اشتمل عليه هـٰذا الكتاب من تعريض بالصحابة في غير ما موضع، وأن السّجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه علىٰ خلاف المعهود في نتاج هـٰذا العصر النبوي.

وقالوا: إن فيه من دقّة الوصف وغرابة التّصوير ما لم يكن معروفاً في آثار الصّدر الأول الإسلامي، كما أنه يطوي في جنباته كثيراً من المصطلحات التي لم يتداولها الناس إلّا بعد أن شاعت علوم الحكمة، كــ«الأين» و«الكيف»، إلىٰ ما فيه من «لغات علم الكلام» و«أبحاث الرؤية الإلهية»، و«العدل»، و«كلام الخالق»، وما لم يكن معهوداً كذٰلك من «التقسيمات الرياضية ذات النظام».

وقالوا: إن الكتاب مشتملٌ علىٰ ادعاء المعرفة بالغيبيات، وهو الأمر الذي يجلّ قدر الإمام علي بن أبي طالب وإيمانه الصّريح الخالص عن التّلبس به أو اصطناعه.

كما أن في الكتاب تكراراً للمقاطع بالتطويل تارةً، وبالإيجاز أخرىٰ، وأن كثيراً من نصوصه لم يظهر فيما أثر من كتب الأدب والتاريخ التي صنعت قبل الشريف الرّضىٰ أو أخيه، وأن به تطويلاً يتجاوز حدّ الغلو في بعض نصوصه، كعهده إلىٰ الأشتر النّخعي. دع عنك ما يسري فيه من مظاهر التّشيع المذهبي، والتّعصّب الشيعي التي يعلو قدر الإمام عنها.

وأمرٌ آخر يريب: وهو أن جامع هـٰذه النصوص لم يسجّل في صدر كتابه أو أثنائه شيئاً من مصادر التوثيق والرواية، كما هو المألوف في أمثال هـٰذه الكتب التي ينظر إليها بعين خاصّة، هـٰذه كلها شبهاتٌ تعلو، ومسائل تطفو، تحمل الباحث علىٰ كثير من التّأمّل، وطويل من الدّرس. شبهاتٌ ومسائل كانت تحيك في صدر كل دارس لهـٰذا الكتاب الخالد، ويودّ لو أن قد تفرغ لدراستها من يزيل عنها تلك الأوضار، ليظهر من بينها يقين التحقيق.

لهـٰذا كله كانت غبطتي بهـٰذا البحث الذي تولّاه باحثٌ أعرف فيه الدّقّة والصبر، وأعرف فيه خلّة التأني جليةً واضحةً، هي الغبطة الصّادقة، فقد استطاع الدكتور صبري أن يحقّق نسبة الكتاب إلىٰ الشريف الرّضىٰ بما لا يدع مجالاً للشّكّ. ثمّ تمكّن من تحقيق نسبة النصوص في هـٰذا الكتاب ــ بمختلف ضروبها من خطب ورسائل وحكم ــ إلىٰ أصحابها، ومن بينها ما صحّت نسبته إلىٰ الإمام علي في جملتها وتفصيلها، أو في تفصيلها فقط دون جملتها. وهـٰذا أمرٌ يحدث للمرّة الأولىٰ بين الباحثين في هـٰذا الكتاب بهـٰذا الأسلوب المنهجي الفريد.

وبعد هـٰذا التقديم نأتي إلىٰ نتائج التوثيق التي انتهىٰ إليها الدكتور صبري، حيث قال في (ص81 ــ 97): «وهـٰكذا أجد نفسي ــ بعد هـٰذه الجولة التّوثيقية ــ أمام مستويات خمسة من النصوص:

  1. نصوصٌ ثبتت نسبتها إلىٰ الإمام علي.
  2. نصوصٌ رواها الشيعة وحدهم.
  3. نصوصٌ لم يروها أحدٌ.
  4. نصوصٌ مشكوكٌ في صحّة نسبتها لأسباب خاصّة.
  5. نصوصٌ ثبتت نسبتها لآخرين» اهـ.

والذي يعنينا هو المستوىٰ الأول فقط، وكيف استطاع المحقّق إثبات نسبتها إلىٰ الإمام علي ؟ا؟ فقد بين المحقّق منهجه في التوثيق؛ فقال في (ص65): «وهـٰـأنذا أحاول استكشاف ما في بطون الكتب الأدبية والتاريخية من نصوص أوردها صاحب «النّهج»، ملتزماً في ذٰلك باعتماد أقوال من سبقوا الشريف الرّضىٰ، أو عاصروه، واستبعاد من جاءوا بعده أو لم يعاصروه» اهـ.

وقبل أن ننظر في مراجع المحقّق نراه هنا يذكر أنها كتبٌ أدبيةٌ وتاريخيةٌ، وهـٰذه الكتب ــ كما نعلم ــ ليست حجّةً في أي فرع من فروع الشريعة كما أشرنا سابقاً وكما هو مقرّرٌ، فما بالك بالاعتداد بها في أصول العقيدة؟!

بعد نتائج التوثيق انتقل المحقّق إلىٰ تحقيق النصوص وتوثيقها، وبدأها بتوثيق الخطب علىٰ النّحو الآتي:

ــ أثبت الخطبة الأولىٰ من أوّلها إلىٰ قوله: «ولا وقت معدود»، ومرجعه «العقد الفريد» لابن عبد ربّه، (انظر ص101)، وهىٰ هنا خمسة أسطر فقط، وفي الأصل أكثر من خمسين ومئة سطر([6]).

ــ والخطبة الثانية نصف سطر، وقال المحقّق (ص101): «الكلمة موجودةٌ في تاريخ اليعقوبي»([7]).

ــ والخطبة الثالثة في «الإمامة والسياسة» لابن قتيبة (ص102). قلت: الكتاب غير صحيح النّسبة لابن قتيبة([8])، انتهى كلام الشيخ عبدالسلام هارون.

وهـٰكذا نجد المراجع التي ذكرها المحقّق ــ وثبّت بها بعض هـٰذه الخطب ــ من هـٰذا النوع من الكتب التي لا تعتبر إطلاقاً مراجع معتمدةً في مجال الشّريعة.

وفي (ص 297 ــ 309) ذكر [المحقق] مراجع البحث والتوثيق، وبالنظر فيها نراها كما ذكر [المحقق] آنفاً أنها من كتب الأدب والتاريخ ما عدا «مسند الإمام أحمد» وقد سبق جمع ما في المسند ودراسته.

لذا لا نوافق المحقّق علىٰ تصحيح نسبة هـٰذه الخطب أو بعضها لعلي رضي الله عنه لمجرّد أنها ذكرت في هـٰذه الكتب. وعليه فلا يجوز ذكر شيء مما جاء في «نهج البلاغة» ليحتجّ به في أي مجال من مجالات الشريعة، إلّا ما ثبت عن الإمام علي رضي الله عنه في المصادر الأخرىٰ.

ولسنا بعد هـٰذا التّبيين لحقيقة كتاب «نهج البلاغة» في حاجة إلىٰ مناقشة ما يذكره الرافضي الذي صنّفه. ولسنا أيضاً في حاجة لبيان أن ما جاء به من طعن في الصحابة الكرام ــ الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وخيرهم الشّيخان ــ أنه يتعارض مع كتاب الله تعالىٰ، وسنّة رسول الله ، وما ثبت متواتراً وصحيحاً عن الإمام علي نفسه رضي الله عنه»([9]).

ثانياً: ما يتعلق بشارح «نهج البلاغة»:

وهو عبدالحميد بن أبي الحديد الشيعي المعتزلي؛ فقد صنّف «نهج البلاغة» من أجل الوزير ابن العلقمي المتسبّب في مقتل مليون ونصف مليون مسلم تقريباً في بغداد علىٰ يد التّتار الذين سهّل لهم دخول بغداد.

قال الخوانساري عن شرحه للنّهج: «صنّفه لخزانة كتب الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي»([10]).

قلت: وابن أبي الحديد معروفٌ بغلوه، يدلّ علىٰ صحّة قولي ما جاء في كتابه «القصائد السّبع العلويات»، وهـٰذا بعض ما قاله:

لذاتك تقديسٌ لرَمْسِك([11]) طُهرةٌ     

                                    لوجهك تعظيمٌ لمجدك تَرْجيب([12])

تَقَيَّلَتْ([13]) أفعــال الــرّبــوبـيــة التي  

                                   عذرت بها من شكّ أنك مربــوب([14])

قلت: فإن لم يكن علي مربوباً؛ فماذا يكون؟

وقال([15]):

علّام أســرار الــغــيــوب ومــن لـه

                                       خــلــق الــزّمــان ودارت الأفــلاك

قلت: والله تعالىٰ يقول: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ﴾  [النمل: 65].

وقال([16]):

متعاظم الأفعال لاهوتيُّها        

                                                         للأمر قبل وقوعه درّاك

قلت: ألا يشبه هـٰذا القول قول النّصارىٰ في عيسىٰ: إنه لاهوتٌ وناسوتٌ، أي: إلهٌ وبشرٌ؟ أعاذنا الله من هـٰذا الشّرك.

وقال([17]):

هو النّبأ المكنون والجو هـر الذي         

                                    تجسّد مــن نـور مــن القدس زاهر

وذو المعجزات الواضحات أقلّها

                                    الظّهور علىٰ مستودعات السّرائر

ألا إنما الإسلام لولا حسامه                 

كعفطة عنز أو قلامة حافر

ولو رام كسف الشّمس نوّر نورها      

                                        وعطّــل مــن أفـلاكــها كل دائـر

صفــاتــك أســماءٌ ذاتــك جـو هـرٌ       

                                    بــري المعالي مــن صفات الجواهر

يــجلّ عن الأعراض والأين والمــتىٰ                                                      ويكبــر عن تـشبيـهـه بــالــعنــاصر

إذا طاف قــومٌ في الـمشاعر والصّفا   

                                    فــقبــرك ركني طائــفاً ومشاعــري

قلت: فإن لم يكن علي شبيهاً بالعناصر، وكان يطاف حول قبره؛ فهل هـٰذا بشرٌ أم..؟

وقال([18]):

لولا حدوثــك قلت إنك جاعل الــ       

                                    أرواح فــي الأشبــاح والــمتــنـزع

لولا مــماتــك قلــت إنــك باســط      

                                    الأرزاق تــقـدر في العطا وتوسّــع

لــي فيك مــعــتــقــدٌ سأكشف سـرّه 

                                    فليصغ أربــاب النّــهىٰ وليسمعوا

والله لــولا حــيــدرٌ مــا كــانــت الــ      

                                    ــدنيــا ولا جــمـع الــبــريــة مــجمع

عــلم الغيــوب إليـه غــيــر مــدافع     

                                    والصّبح أبيض مســفــرٌ لا يــدفـع

وإليــه فــي يــوم الــمــعاد حسابنا     

                                    وهو الــملاذ لـنــا غــداً والــمــفزع

 

قلت: نعوذ بالله من هـٰذا الهذيان الذي لا يمكن أن يجرؤ عليه مسلمٌ بحال، ولكن هـٰذه هي نتيجة الغلو في الصّالحين.

هـٰذا؛ عدا ما يطالب به عبدالحسين من أدلة من الكتاب والسُّنة وصحيح أقوال الأئمة تشهد لقوله بوجوب التّدين بالتّشيع علىٰ الصّفة التي يزعمونها، وما فيه من مخالفات تصادم التّوحيد الذي هو حقّ الله علىٰ العبيد.

أمّا ما ذكره عبدالحسين من محبّة أهل البيت ومودّتهم ؟م؛ فهـٰذا ممّا لا يختلف فيه أهل الحقّ من الإنس والجإن، كيف ومحبّتهم واجبٌ تعبّدنا الله تعالىٰ به علىٰ ما جاء في سنّة نبينا  حيث قال: «أذكّركم الله في أهل بيتي»، كرّرها  ثلاثاً([19]). وهو من مسائل الاعتقاد عند أهل السُّنة والجماعة المشهورة كالأعلام المنشورة لا يكمل إيمانٌ إلّا به، فلا داعي للمزايدة في هـٰذا الأمر، جفّت الأقلام وطويت الصّحف.

 

([1])        القول الأول في «سير أعلام النبلاء» (17/589). والقول الثاني في «ميزان الاعتدال» (3/124).

([2])       «البداية والنهاية» (12/56).

([3])       «وفيات الأعيان» (3/313).

([4])       تنبيه: جملة الدّعاء: «كرّم الله وجهه» التي تقال عند ذكر علي  ﷺ دون غيره من الصّحابة؛ الأولىٰ أن تترك، أو يقال مثلها عند ذكر سائر الصحابة  ﷺ، ولا ريب أن تخصيص علي  ﷺ بهـٰذا الدّعاء إنما عرف عن الرافضة ثمّ تسرّب إلىٰ غيرهم دون وعي.

([5])       أي علي  ﷺ.

([6])       هو: أحمد بن محمد بن عبد ربّه بن حبيب الأموي بالولاء أبو عمر القرطبي؛ ترجم له ابن كثير في «البداية والنهاية» (15/121)، وقال: «يدلّ كثيرٌ من كلامه علىٰ تشيع فيه».

([7])        كتاب اليعقوبي يستعرض تاريخ آل البيت والصّحابة بشكل مرسل لا إسناد فيه، ويعتمد في مصادر الرواية بشكل رئيسي علىٰ الواقدي وأبي مخــنــف لوط بن يحيىٰ، وقد أكثر من ذكر عبارات الضّعف والوهن، مثل: (قيل، وروي، وروىٰ بعضهم، وقال بعضهم.. إلخ). وهو يتكبّر ويتعالىٰ عن إطلاق لفظ «خليفة» علىٰ أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، بينما يصف علياً رضي الله عنه بــ«وصي محمد  ﷺ»، وهـٰذا إجحافٌ وتعال لا يقبل ممن تصدّىٰ لكتابة تاريخ الآل والأصحاب.
والرّجل له مواقف عدائيةٌ ضدّ الصّحابة رضي الله عنه، وخلفيةٌ مسبقةٌ قبل كتابته للتاريخ، مما يفقده المصداقية. وقيمة الكتاب العلمية قليلةٌ جدّاً؛ فهو ينقسم إلىٰ قسمين:
فالأول: جمع فيه الأساطير والخرافات عن الأمم السابقة، وكثيراً ما يستدلّ من الإنجيل والتوراة علىٰ حياة وأخبار الأنبياء ويترك «القرآن الكريم» الذي لم يتطرّق إليه شكٌّ ولا ريبةٌ.
والثاني: يتحدّث فيه عن سيرة النّبي  ﷺ والخلفاء بإيجاز مخلّ وحشو للروايات المنقطعة والمرسلة والأكاذيب.
يقول الدكتور محمد صامل السلمي ــ في كتابه «منهج كتابة التاريخ الإسلامي» (ص473) ــ: «هـٰذا الكتاب يمثل الانحراف والتشويه الحاصل في كتابة التاريخ الإسلامي، وهو مرجعٌ لكثير من المستشرقين والمستغربين الذين طعنوا في التاريخ الإسلامي وسيرة رجاله، مع أنه لا قيمة له من النّاحية العلمية؛ إذ يغلب علىٰ القسم الأوّل القصص والأساطير والخرافات، والقسم الثاني كتب من زاوية نظر حزبية، كما أنه يفتقد من النّاحية المنهجية لأبسط قواعد التّوثيق العلمي» اهــ.

([8])       هذا الكتاب المنسوب لابن قتيبة كتابٌ مكذوبٌ عليه لعدّة أسباب بينها الكثير من الباحثين، من أهمّها:
أولاً: إن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا أو ينسبوا له أي كتاب باسم «الإمامة والسياسة».
ثانياً: إن مؤلّف الكتاب يروي عن ابن أبي ليلىٰ بشكل يشعر بالتّلقّي عنه، وابن أبي ليلىٰ هو محمد بن عبدالرّحمٰن بن أبي ليلىٰ الفقيه قاضي الكوفة، توفّي سنة (148هــ)، وابن قتيبة ولد سنة (213هــ)، أي بعد وفاة ابن أبي ليلىٰ بخمسة وستين عاماً!! فكيف يلتقي به ويحمل عنه العلم؟!!
ثالثاً: أنه يتّضح من قراءة الكتاب أن صاحبه أقام في دمشق والمغرب، والمعروف عن ابن قتيبة أنه لم يخرج من (بغداد) إلا إلىٰ دينور.
انظر: مقدمة الدكتور ثروت عكاشة علىٰ كتاب «المعارف» لابن قتيبة (1/56)، «نقد كتاب الإمامة والسّياسة» د. خالد كبير علال، مقدمة تحقيق كتاب «عيون الأخبار» لابن قتيبة (1/24 ــ 25) د. محمد الإسكندراني، «مجلة الأبحاث» (سنة 13/ج 368) جبرائيل جبور، مقدمة محب الدين الخطيب علىٰ كتاب «الميسر والقداح» لابن قتيبة (ص23 ــ 24)، «الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة من هو مؤلفه؟» د. محمد نجم.

([9])       هذا بتمامه كلام العلّامة عبدالسلام هارون رحمه الله، نقل عن مقدمة محقّق كتاب «تشريح شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد» (ص 16 وما بعدها).

([10])     انظر: «روضات الجنات» لمحمد باقر الخوانساري (5/20 ــ 21).

([11])      لرمسك: أي لقبرك. انظر: «لسان العرب» (...)، مادة (رمس).

([12])     ترجيب: أي تعظيم. وبه سمّي شهر رجب معظّماً. انظر: «لسان العرب» (...)، مادة (رجب).

([13])     تقيلت: أي أشبهت. انظر: «لسان العرب» (...)، مادة (قيل).

([14])     «القصائد السّبع العلويات» (ص30)، الأبيات: (59، 60).

([15])     المصدر السّابق (ص54)، البيت (11).

([16])     المصدر السّابق (ص55)، البيت (16).

([17])     المصدر السّابق (ص79)، الأبيات: (18، 19، 21، 25، 37، 38، 39).

([18])     المصدر السّابق (ص96)، الأبيات: (41، 42، 50، 52، 54، 55).

([19])     أخرجه مسلم في «صحيحه» (2408).