مراجعة الشيعي عبدالحسين 6
22-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [6]
12 ذي القعدة سنة 1329 هـ
إنكم ــ بحمد الله ــ ممن تغنيه الكناية عن التصريح([1])، ولا يحتاج مع الإشارة إلىٰ توضيح، وحاشا لله أن تخالطكم في أئمة العترة الطاهرة شبهةٌ، أو تلابسكم في تقديمهم علىٰ من سواهم غمّةٌ. وقد آذن أمرهم بالجلاء، فأربوا علىٰ الأكفاء وتميزوا عن النّظراء، حملوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علوم النّبيين([2])، وعقلوا عنه أحكام الدنيا والدّين.
ولذا قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوةً لأولي الألباب، وسفناً للنجاة إذا طغت لجج النفاق، وأماناً للأمة من الاختلاف إذا عصفت عواصف الشقاق، وباب حطّة يغفر لمن دخلها([3])، والعروة الوثقىٰ لا انفصام لها.
[1] وقد قال أمير المؤمنين([4]): «فأين تذهبون وأنىٰ تؤفكون؟ والأعلام قائمة والآيات واضحـة والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش. أيها الناس خذوها([5]) من خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلىٰ من بلي منا وليس ببال»([6]).
فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر([7])، وأترك فيكم الثقل الأصغر([8])، وركزت فيكم راية الإيمان.. الخ».
[2] وقال عليه السلام: «انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدىٰ، ولن يعيدوكم في ردىٰ، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»([9]).
[3] وذكرهم عليه السلام مرة فقال: «هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلىٰ نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل».
[4] وقال عليه السلام من خطبة أخرىٰ: «عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم وبسقت في كرم، لها فروع طوال وثمرة لا تنال».
[5] وقال عليه السلام: «نحن الشعار، والأصحاب، والخزنة، والأبواب، ولا تؤتىٰ البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ــ إلىٰ أن قال في وصف العترة الطاهرة ــ: فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرّحمٰن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا، فليصدق رائد أهله وليحضر عقله». الخطبة.
[6] وقال عليه السلام من خطبة له: «واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتىٰ تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتىٰ تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتىٰ تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذٰلك من عند أهله، فإنهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق».
[7] إلىٰ كثير من النصوص المأثورة عنه في هـٰذا الموضوع نحو قوله عليه السلام: «بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم العلياًء، وبنا انفجرتم عن السرار وقر سمع لم يفقه الواعية». الخطبة.
[8] وقوله: «أيها الناس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ، وامتاحوا من صفو عين قد روقت من الكدر». الخطبة.
[9] وقوله: «نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»([10]).
[10] وقوله: «أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطىٰ الهدىٰ ويستجلىٰ العمىٰ، إن الأئمة من قريش غرسوا في هـٰذا البطن من هاشم، لا تصلح علىٰ سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم ــ إلىٰ أن قال عمن خالفهم ــ: آثروا عاجلا وأخروا آجلا، وتركوا صافيا وشربوا آجنا([11]) إلىٰ آخر كلامه.
[11] وقوله: «فإنه من مات منكم علىٰ فراشه وهو علىٰ معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته، مات شهيدا ووقع أجره علىٰ الله، واستوجب ثواب ما نوىٰ من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه».
[12] وقوله عليه السلام: «نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله عز وجل والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوىٰ بيننا وبين عدونا فليس منا»([12]).
[13] وخطب الإمام المجتبىٰ أبو محمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال: «اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم» الخطبة([13]).
[14] وكان الإمام أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين إذا تلا قوله تعالىٰ: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا ٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَكُونُوا مَعَ ٱلصَّادِقِينَ﴾ [التّوبَة: 119] يدعو الله عز وجل دعاء طويلا، يشتمل علىٰ طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية، ويتضمن وصف المحن، وما انتحلته المبتدعة المفارقة لأئمة الدين والشجرة النبوية، ثم يقول: «وذهب آخرون إلىٰ التقصير في أمرنا، واحتجوا بمتشابه القرآن، فتأولوا بآرائهم، واتهموا مأثور الخبر فينا ــ إلىٰ أن قال ــ: فإلىٰ من يفزع خلف هـٰذه الأمة، وقد درست أعلام هـٰذه الملة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضا، والله تعالىٰ يقول: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَٱخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]، فمن الموثوق به علىٰ إبلاغ الحجة، وتأويل الحكم؟ إلا أعدال الكتاب، وأبناء أئمة الهدىٰ، ومصابيح الدجىٰ، الذين احتج الله بهم علىٰ عباده، ولم يدع الخلق سدىٰ من غير حجة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في الكتاب»([14]).
هـٰذا كلامه عليه السلام بعين لفظه، فأمعن النظر فيه، وفيما تلوناه عليك من كلام أمير المؤمنين، تجدهما يمثلان مذهب الشيعة في هـٰذا الموضوع بأجلىٰ مظاهره. واعتبر هـٰذه الجملة من كلامهما، نموذجا لأقوال سائر الأئمة من أهل البيت، فإنهم مجمعون علىٰ ذٰلك، وصحاحنا عنهم في هـٰذا متواترة. والسلام.
([1]) هـٰذا رجمٌ بالغيب! إذ كيف يجزم عبدالحسين بأن مناظره ممن تغنيه الكناية.. إلخ، وإن فكرة التّشيع واضحةٌ عنده؟! ولو قال قائلٌ: إنه تلطّف في استفتاح المناظرة، لقلنا إن هـٰذا اللّطف يتناقض مع اعتقاده الحقيقي بكفر المسلمين وأنهم مخلّدون في النّار عدا الشّيعة الاثني عشرية.
وقد صرّح بهذا الاعتقاد في كتابه «الفصول المهمّة في تأليف الأمّة» في آخر صفحة من الفصل الخامس بعنوان: «فصل في طائفة مما صحّ عند أهل السّنّة من الأحاديث الحاكمة بنجاة مطلق الموحدين»، حيث ساق فيه بعض الأحاديث من دواوين أهل السّنّة مقرّاً لها مستشهداً بها ــ وعلّق عليها وبشّر بها أهل القبلة ــ، وإذا به ينقض بنيانه، فيقول ما نصّه: «وإن عندنا صحاحاً.. تعلن بالبشائر لأهل الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، لكنّها تخصّص ما سمعته من تلك العمومات المتكاثرة بولاية آل رسول الله وعترته الطاهرة.. ولا غرو فإن ولايتهم من أصول الدين». انتهىٰ قوله الخطير، وفيه التّصريح بتكفير المسلمين الذين لا يقولون بفكرة التّشيع السّبئية، فأين هو تأليف الأمّة المزعوم الذي صنّف من أجله هـٰذا الكتاب؟!
ومع ما تقدّم من البوح صراحةً بتكفير المسلمين، نجده في الكثير من كتبه يبرّئ الشّيعة ونفسه من تكفير أهل السّنّة المخالفين لفكرة الإمامة والأساطير والخرافات المتعلّقة بها، وذٰلك من باب ذرّ الرّماد في العيون، واستغفال الغافلين عن حقيقة عقائد القوم ومصادرهم.
وها هي أسماء كتب عبدالحسين التي أنكر فيها التكفير تقيةً وتدليساً: «الفصول المهمة في تأليف الأمّة» (ص208)، «أجوبة مسائل موسىٰ جار الله» (ص47) «إلىٰ المجمع العلمي العربي بدمشق» (ص27).
ومن العجب أنه في (ص61) من كتاب «إلىٰ المجمع العلمي» يطالب رئيس المجمع وهو العلّامة محمد كرد علي بالدّليل علىٰ أن الشيعة تكفّر المسلمين؟ وقال: «هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين». وها قد أتيناه هنا ــ والحمد لله ربّ العالمين ــ ببرهان الصّادقين من كتابه «الفصول المهمة» الذي كفّر فيه كل المسلمين عدا جماعته الشّيعة الاثني عشرية، وهي العقيدة التي يتلقّاها الشّيعة متأخّرٌ عن متقدّم من الرّضاع إلىٰ اللحد.
([2]) قوله: «حملوا عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم علوم النبيين»؛ خطيئةٌ كبرىٰ؛ لأن الرّسول ﷺ لم يأخذ عن النبيين شيئاً من العلوم، بل نقل ﷺ عن ربّه ؟و ما أوحاه إليه. ولو كان نبي من النبيين حياً لما وسعه مخالفة النبي ﷺ، ولتابعه علىٰ شريعته التي نسخت كافّة الشّرائع السّابقة.
([3]) هـٰذه الفقرة احتوت علىٰ إشارات لأربعة أحاديث كثيراً ما ذكرها عبدالحسين في كتبه ورسائله، ثلاثةٌ منها مصطنعةٌ باطلةٌ لا تقوم بها حجّةٌ، وهي:
الحديث الأول: «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»، وهو حديثٌ ضعيف جدّاً، سيأتي تخريجه في المراجعة (8).
الحديث الثاني: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف»، وهو أيضاً ضعيف جدّاً أو موضوع، سيأتي تخريجه في المراجعة (8).
الحديث الثالث: «وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له»؛ وهو أيضاً حديثٌ ضعيف جدّاً أو موضوع، يأتي تخريجه في المراجعة (8).
وأمّا الحديث الرابع: فهو حديث الثّقلين الذي أشار إليه في أوّل الفقرة ــ وهو عمدة ما يستدلّ به الشيعة ــ وسيأتي تخريجه تحت المراجعة (8) وبيان أن طرقه ــ التي ذكرها عبدالحسين هنا في عدّة مراجعات وفي بعض كتبه مستكثراً بها إنما هي طرقٌ معلّةٌ، وقد ضعّفها في مهد ظهورها علماء الأمّة المتقدّمون. وأمّا من صحّح بعض طرقه من المتأخرين ــ وهم قلّةٌ ــ فلم يروا فيه ما يسند فكرة التّشيع، بل ردّوا عليهم ما استنبطوه منه، وكشفوا النّقاب عن حقيقة معناه الصواب.
قوله: «وباب حطة يغفر لمن دخلها»: خطأٌ أوقعه فيه الجهل؛ لأن «حطّة» ليست مكاناً يدخل، بل هو قولٌ أمر الله تعالىٰ اليهود أن يقولوه: ﴿ وَٱدْخُلُوا ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ ، أي: «أن يحطّ عنهم خطاياهم بسؤالهم مغفرته». وقوله: «دخلها» بالتأنيث لا يستقيم مع المذكور الذي يعود عليه الدخول وهو «الباب» وهو مذكّرٌ وليس مؤنّثاً. وكنت أظنّ قوله: «دخلها» خطأً مطبعياً، ولكنه ورد هكذا في طبعات «كتاب المراجعات» المختلفة، فتعين أنه من إنشاء وصياغة عبدالحسين، بل أعاد هـٰذه الأخطاء في ثلاثة من كتبه، واضطرب في الضمائر تأنيثاً وتذكيراً، والكتب الثلاثة هي:
1. «النص والاجتهاد» المورد 99، قال: «باب حطة يأمن من دخلها». اهــ. واستدلّ في الحاشية بحديث «ضعيف جدّاً» ــ سيأتي تخريجه هنا ــ رواه الحاكم في «مستدركه» (3/151) من طريق بعض الرافضة والمتروكين عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبي ﷺ، ولفظه: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح» وفي آخره: «ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له».
قلت: المقطع الأخير من الأدلة علىٰ نكارة هـٰذا الحديث كما قال الذهبي وغيره، وحاشا لرسول الله ﷺ وهو من أوتي جوامع الكلم أن يصدر عنه هـٰذا الأسلوب الرّكيك.
2. «الفصول المهمة في تأليف الأمّة» فصل12، قال: «باب حطة يأمن من دخلها». اهــ. وذكر أيضا في الحاشية الحديث السابق الضعيف جدّاً، وعزاه إلىٰ الحاكم والطّبراني.
3. «كلمة حول الرؤية» (ص42)، قال: «وداخل باب حطتها». اهــ. كذا قال، وذكر أيضاً الحديث الضّعيف جدّاً المشار إليه سابقاً الذي رواه الحاكم في «مستدركه» (3/151).
تنبيه: حديث سفينة نوح الضعيف السّاقط الذي ذكره وأعاده في هـٰذه الكتب الثلاثة وغيرها سيأتي تخريجه هنا (9) تحت المراجعة (8). وليلحظ القارئ المقطع الأخير من الحديث ــ علىٰ ضعفه ونكارته ــ وهو قوله: «ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له»؛ وليقارن بينه وبين ما فهمه منه عبدالحسين وعبّر عنه بكلامه الرّكيك السّابق. فلو كان يفقه ويعي ما يقرأ لسلم من هـٰذه الأخطاء.
([4]) هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ساق عبدالحسين له اثني عشر قولاً موهماً القرّاء أنها أدلّةٌ!! وهي في الحقيقة عبارةٌ عن بعض الخطب من كتاب «نهج البلاغة» ولم يثبت أن علياً رضي الله عنه صنّف هـٰذا الكتاب فهو مكذوبٌ عليه ولا تصحّ نسبة الكثير من نصوصه إليه، وستأتي الأدلّة والبراهين علىٰ بطلان نسبة هـٰذا الكتاب إلىٰ علي رضي الله عنه، وبيان قدر الخطب التي يصحّ أن تنسب إلىٰه، مع الكشف عن حقيقة مؤلّف هـٰذا الكتاب.
([5]) جاء في الحاشية: «أي خذوا هـٰذه القضية عنه صلّىٰ الله عليه وآله وهي أنه يموت الميت من أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره».
قلت: أمّا محمد عبده المصري العصري؛ فأمره معروفٌ، أليس هو التلميذ النجيب لجمال الدين الأفغاني الإيراني الشيعي ؟ وكلاهما حرّضا أحمد عرابي علىٰ إشاعة الفتن والثّورة علىٰ ولاة الأمر في القطر المصري، مما تسبب في جلب الإنجليز واحتلالهم مصر. وبعد أن رجع محمد عبده من منفاه الذي عوقب به علىٰ هـٰذا التّحريض مهزوماً نفسياً؛ لما رآه من زينة القوم الفانية ــ صار صديقاً للمحتلّين متودّداً، ملبّياً كافّة رغباتهم من التغريب والتخريب في المناهج التّعليمية تحت شعار «الإصلاح» الذي ﴿ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ﴾ . وهو أيضا أولّ محلّل للفوائد الرّبوية، ومفرّخ العقلانيين المعتدين علىٰ الثّابت من الدّين، كمحمود أبو رية مؤلّف الكتاب المشبوه «أضواء علىٰ السّنّة المحمدية» الذي ينقل في كتبه عن عبدالحسين الشيعي صاحب «المراجعات».
ولنلحظ أن الشيعي عبدالحسين يكثر النّقل في مراجعاته من شرح «النّهج» لمحمد عبده بدلاً من شرح ابن أبي الحديد الشيعي للنهج؟! وأبو رية تلميذ محمد عبده ينقل في كتبه عن عبدالحسين الشيعي ؟! فيا ترىٰ ما هي العلاقة التي بينهم؟ فإذا استحضرنا تلمذة محمد عبده علىٰ جمال الدين الأفغاني الشيعي الإيراني الأصل، وإذا قرأنا شرح محمد عبده لنهج البلاغة، ومن ذٰلك أبياته الشّعرية الآتية التي كان يتمثّل بها؛ فلعلّنا ندرك حقيقة هـٰذه العلاقة، يقول محمد عبده:
ذرني وأشــيــاء فــي نــفــسي مــخـبّــأةً
لألــبــسنّ لــهــا درعاً وجــلـبــابــا
والله! لــو ظــفــرت نــفــسي بطــلــبتها
ماكنت عن ضرب أعناق الورىٰ آبــا
حــتّىٰ أطــهر هـٰذا الكــون مــن دنــس
وأوجب الــحـقّ للسّادات إيــجــابــا
وأملأ الأرض عدلاً بــعــدمــا مــلــئــت
ظـلــماً وأفــتــح للخيــرات أبــوابــا
فيا ترىٰ ما «الأشياء المخبأة» في نفسه؟ وما «الدّنس» الذي يريد تطهير الكون منه؟ ومن «السّادات» الذين سيوجب لهم الحقّ ويضرب لأجلهم أعناق الناس؟ وهل ما حدث علىٰ أيدي الشّيعة الفاطميين في بلاد المغرب ومصر والشّام والحجاز وغيرها من احتلال، واعتداء علىٰ العقائد الإسلامية، وسبّ صحابة رسول الله ﷺ، ونهب واغتصاب وقتل لحجاج البيت الآمنين وسرقة الحجر الأسود أكثر من عشرين سنة، والتعاون مع الصّليبين والتتار سابقاً.
وأخيراً ــ ولعلّه ليس آخراً ــ تعاونهم مع صليبيي وتتاريي العصر علىٰ احتلال أفغانستان
والعراق؛ هل ذٰلك من الظّفر بمطالب النّفس التي يتمنّاها محمد عبده في تلك الأبيات؟
لعلّنا الآن عرفنا ماهية العلاقة بين هـٰذا الثّلاثي: عبدالحسين، محمد عبده، محمود أبي رية، ومن أراد الاطلاع ــ بإطالة وتفصيل وبالأدلة والبراهين ــ علىٰ المزيد من حال محمد عبده، وحال تلامذته وأفراخه دعاة السفور والتّحرّر من الشّريعة والعصرانية وآثارهم التّخريبية، وعلاقتهم بدولة الاحتلال الإنجليزية ــ فلينظر كتاب: «نظرات شرعية في فكر منحرف» لسليمان الخراشي (2/1019 ــ 1082).
([6]) هـٰذا الحديث الذي نسبه مخترع هـٰذه الخطبة إلىٰ النبي ﷺ «لا أصل له»، إذ لا يوجد له إسنادٌ في كتب أهل السّنّة ولا غيرهم، وهو أسوأ حالاً من الحديث الموضوع الذي له أسنادٌ ويكون فيه كذّابٌ أو أكثر. كما أن ألفاظه الرّكيكة لا تشبه ألفاظ «من أوتي جوامع الكلم ﷺ». وفيه ما يتناقض مع الحقائق الشّرعية والنواميس الكونية؛ فكيف يموت ولا يموت ويبلىٰ ولا يبلىٰ؟! وقد تنبّه لهـٰذا التناقض ابن أبي الحديد الشيعي في «شرحه للنّهج» واعترف به، ولم يستطع إغفاله كعادته لظهور التناقض، فقال مفصحاً: «هـٰذا الموضع يحتاج إلىٰ تلطّف في الشرح، لأن لقائل أن يقول: ظاهر هـٰذا الكلام متناقضٌ.. فنقول في الجواب: إن هـٰذا يًمكن أن يحمل علىٰ وجهين: أحدهما: أن يكون النبي صلّىٰ الله عليه وآله وعلي ومن يتلوهما من أطايب العترة أحياءً بأبدانهم التىٰ كانت في الدنيا بأعيانها قد رفعهم الله تعالىٰ إلىٰ ملكوت سماواته». إلىٰ آخر غلوه وتكلفه، وقد زاد الطّين بلّةً.
([7]) جاء في الحاشية: «عمل أمير المؤمنين بالثّقل الأكبر وهو القرآن، وترك الثقل الأصغر وهو ولداه ــ ويقال عترته ــ قدوةً للناس، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره من شارحي النهج».
قلت: إن هـٰذا التفسير ينحاز إلىٰ فكرة التّشيع التي تحصر تفسير الدّين وشرائعه في فئة من أهل البيت الذّكور علي وابناه الحسن والحسين رضي الله عنهم فقط دون سائر الصحابة والآل، مع أن هـٰؤلاء الثلاثة لم ينقلوا من الأحاديث الصّحيحة إلّا القليل بالمقارنة مع بقية الصحابة المكثرين، بل بعض أهل البيت كابن عبّاس وأمّ المؤمنين عائشة بنت الصّدّيق وغيرهما رضي الله عنهم قد رووا أضعاف ما رواه هـٰؤلاء الثلاثة مجتمعون، خاصّةً وأن الحسن والحسين قد توفّي الرّسول ﷺ وهما صغيران، فالحسن له سبع سنوات، والحسين له ست سنوات.
وبناءً علىٰ ما سبق؛ يتقرّر أن حصر معرفة الدين وتفسيره في هـٰؤلاء الثلاثة وبقية الأئمّة
الاثني عشر فيه الكثير من المفاسد، منها:
ــ إن ذٰلك يعدّ تضييعاً لأكثر الشّريعة التي جاءت للعالمين وليس لبعض قرابة النبي ﷺ فقط.
ــ أنه فيه مخالفةٌ للقرآن الكريم والنصوص الصحيحة الصريحة عن النبي المعصوم ﷺ التي تدلّ علىٰ كثرة علم الكثير من الصّحابة رضي الله عنهم، وتحثّ جميع المسلمين علىٰ التبليغ عن الله تعالىٰ ورسوله ﷺ ولو بآية كما في حديث: «بلّغوا عنّي ولو آيةً». أخرجه البخاري (3461).
ــ أنه يصطدم مع وقائع التاريخ التي تثبت أن الصحابة رضي الله عنهم نشروا علوم الكتاب والسّنّة في كثير من البلدان التي فتحوها بأموالهم وأرواحهم ودمائهم وغربتهم عن أوطانهم وأهليهم في سبيل الله ونصرة دينه ونشره في العالمين، وكان للكثير منهم مدارس وتلاميذ عرفوا بالأخذ عنهم ونشر علومهم. فمن يكذّب محكم القرآن، وكلام العدنان ﷺ، وهـٰذه الوقائع العظام؛ فعلىٰ عقله السلام.
([8]) نقل عبدالحسين فيما سبق عن محمد عبده تفسير «الثقل الأصغر» بأنه «ولداه أو العترة»، وفسّره ابن أبي الحديد الشيعي شارح «نهج البلاغة» بالحسن والحسين دون سائر العترة. وسواءٌ قالوا بهـٰذا التفسير أو ذاك؛ ففيه دليلٌ بينٌ علىٰ كذب واختراع هـٰذه الخطبة، لأن معنىٰ الكلام: أن علياً رضي الله عنه يخبر عن موته قبل موت ولديه، وهـٰذا فيه ادّعاء معرفة الغيب. فكيف يدّعي هـٰذا الصحابي الجليل معرفة الغيب الذي استأثر الله تعالىٰ به دون خلقه؛ قال تعالىٰ: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ ، فنفىٰ الله عن كل نفس معرفة مكان موتها، وفيه نفي ضمني لمعرفة وقت الموت. وحاشاه رضي الله عنه أن يقع في هـٰذا الكفر الصّراح بادّعاء معرفة الغيب.
([9]) هـٰذا القول المنسوب إلىٰ علي رضي الله عنه فيه من الغلو وزعم العصمة ما يقضي ببطلانه وبراءة علي منه.
([10]) جاء في الحاشية: «وقال ابن عباس: «نحن أهل البيت شجرة النبوة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرحمة، ومعدن العلم». نقل هـٰذه الكلمة
عنه جماعة من أثبات السنة، وهي موجودة في آخر باب خصوصياتهم صفحة 142 من «الصواعق المحرقة» لابن حجر.
قلت: قد خان عبدالحسين الأمانة العلمية؛ حيث كتم عن مناظره والقرّاء أن ابن حجر الهيتمي حكم علىٰ أثر ابن عبّاس رضي الله عنهما المذكور آنفاً بقوله: «وجاء عن ابن عبّاس بسند ضعيف».
وقد كتم أيضاً أن هذا الأثر مذكورٌ في أهمّ وأصحّ مصادرهم؛ وهو كتاب «الكافي» للكليني مع شرحه «مرآة العقول للمجلسي» (3/8 ــ 91، 2، 3)، مروياً عن ثلاثة من أئمّتهم، هم: علي بن الحسين (1)، وعلي بن أبي طالب (2)، وجعفرٌ الصّادق (3).
ولا ريب أن عبدالحسين يعرف جيداً كتاب «الكافي» ــ أصحّ كتاب عندهم ــ ويقرأ فيه ويراجعه كثيراً! فلماذا لم يذكر هـٰذه الحقيقة، خاصّةً والرواية فيه عن ثلاثة من الأئمّة المعصومين عندهم؟ والإجابة: إنه أراد أن يخفي حكم شارح «الكافي» علّامتهم وشيخ إسلامهم المجلسي حيث حكم في الحاشية علىٰ (1) بأنه: «ضعيف»، وعلىٰ (2) بأنه: «ضعيف علىٰ المشهور»، وعلىٰ (3) بأنه: «مرسلٌ مجهولٌ».
بل ها هو أيضاً آيتهم العظمىٰ السّيد أبو الفضل البرقعي ينقد هـٰذا الحديث بمروياته الثلاثة المذكورة في «الكافي»، في كتابه «كسر الصنم نقض كتاب أصول الكافي» (ص174)، فيقول: «أولاً: لم يرو [أي الكليني] أكثر من ثلاثة أحاديث في هـٰذا الباب، والمجلسي ضعّف اثنين منها، وقال عن الثالث إنه «مرسلٌ». أحد رواته ربعي بن عبد الله، ويبدو من روايته في أبواب أخرىٰ أنه [أي ربعي] لم يؤمن بالقرآن. والآخر زياد بن منذر ــ يعني أبا الجارود ــ صانع مذهب الجارودية، ومنه مذهبا: «السرحوبية»، و«الجارودية»، ولعنه سيدنا الصّادق، وقال: «هو أعمىٰ القلب والبصر». وهو الذي شرب الخمر، وكان يصادق الكفار، وكان كفيفاً، ويقال له «سرحوب»؛ نسبةً إلىٰ شيطان ساكن في البحر يسمّىٰ بالسرحوب!ما قيمة روايات هـٰؤلاء الكذابين؟!
ثانياً: وأمّا متن هـٰذه الروايات: إن الإمام مدح نفسه كثيراً، مثلاً، قال: «نحن شجرة النبوة، ومحل الرسالة، والملائكة تراودنا، ونحن سر الله وأمانته، ونحن حرم الله الأكبر، ونحن كذا وكذا». مع أن أمير المؤمنين قال في «نهج البلاغة» في خطبة (214): «فلا تثنوا علي بجميل ثناء».
وقال تعالىٰ ــ في سورة النّجم الآية 32 ــ: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَى﴾ . فضلاً عن هـٰذا كله؛ ما فائدة هـٰذه الروايات في الكتب التي تدلّ علىٰ العجب العجاب، إلّا الغلوّ، ومدح الرجال والأئمة، والغفلة عن دين الله؟ ولم يغفل الناس عن أصل الدين إلّا عندما بدأوا بمدح الرجال وتعظيمهم. وجعلوا هـٰذا الثناء والمدح من أصل الدين وفرعه. ومهما كان الإمام عظيماً فعليه أن يتّبع الدين، لا أن يكون
[هو] أصل الدين أو فرعه!
ثالثاً: ما معنىٰ «إن الأئمة سرّ الله»؟ ما هـٰذا؟ هل دين الله سرّي؟! ما معنىٰ «نحن معبر الملائكة»؟ إذا كان ذٰلك كذٰلك فلماذا تقولون إن الوحي انقطع بوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ولماذا يقول الشيخ المفيد: «إن الذي يدّعي الوحي للإمام؛ قد خرج عن الإسلام» ــ كما جاء بالتفصيل في باب الفرق بين الرّسول والنبي المحدّث ــ ؟ إذاً يتبين أن هـٰؤلاء الرواة أرادوا إغفال الناس عن أصل الدين عن طريق هـٰذه الروايات. لما قال الإمام: «نحن حرم الله الأكبر»؟ هل لله حرمٌ وجارياتٌ للحرم؟ وما هـٰذا الإله الذي يصفونه بما يشاؤون؟! سبحان الله عما يصفونه وتعالىٰ عن ذٰلك علوا كبيراً». انتهىٰ كلام البرقعي، وليتدبره كل عاقل منصف.
([11]) قوله: «آثروا عاجلاً..» إلخ؛ هـٰذا الكلام فيه تكفيرٌ ضمني للصّحابة رضي الله عنهم، ومن المحال أن يصدر ذٰلك عن علي رضي الله عنه، ولا أن يسمّىٰ بلاغةً؛ لأنه خليطٌ من اللّغو والحشو والتّكلف والتّنطّع والتّشدّق والتّفيقه بنفس أعجمي شعوبي حاقد علىٰ الصّحابة الذين فتحوا البلاد، وأخمدوا عبادة العباد والنّار والأوثان والأشجار والأحجار، ونشروا العدل والأمان.
([12]) جاء في الحاشية: «نقل هـٰذه الكلمة عنه جماعة كثيرون أحدهم ابن حجر في آخر باب خصوصياتهم من آخر «الصواعق» ص142 وقد أرجف فأجحف».
قلت: نعم؛ قد نقل هـٰذه الكلمة ابن حجر الهيتمي في آخر باب خصوصياتهم في آخر
كتابه «الصواعق»؛ ولكنّ عبدالحسين عاد إلىٰ البتر والكتم والاستشهاد بالأقوال الضّعيفة، وهـٰذا يخالف آداب المناظرة، حيث كتم عن قرائه ومحاوره أن ابن حجر الهيتمي حكم علىٰ هـٰذا الكلام بقوله: «وعن علي بسند ضعيف». ولمّا أزعجه ذٰلك التّضعيف بعد أن كتمه؛ نال منه بقوله: «وقد أرجف فأجحف». فلماذا اضطر إلىٰ النّقل عنه، وهناك كما يزعم «جماعة كثيرون» نقلوا هـٰذا الكلام؟ وكأني به لم يصرّح بأن هـٰذا الأثر يوجد مسنداً في كتاب «فضائل الصحابة» للإمام أحمد (1160)، وهو من زوائد القطيعي علىٰ هـٰذا الكتاب؛ خشية أن يقف القارئ علىٰ إسناده؛ فيتبين أنه ضعيف جدّاً! وليس ضعيفاً فقط كما قال الهيتمي؛ لأن في إسناده مجاهيل، بل فيه أيضاً: يحيىٰ بن يعلىٰ الأسلمي الشيعي وهو ضعيف واه، وحبّة العرني وهو ضعيف غال في التّشيع.
فائدةٌ: يوجد تحريفٌ في إسناد هـٰذا الأثر في كتاب «فضائل الصحابة»؛ وهو: يحيىٰ بن يعلىٰ (بن) بسام الصّيرفي، والصّواب: يحيىٰ بن يعلىٰ (عن) بسام الصّيرفي.
([13]) جاء في الحاشية: «راجعها في أواخر باب وصية النبي بهم من «الصواعق المحرقة» لابن حجر ص137».
قلت: قد راجعت كتاب «الصّواعق»، فوجدت هذا الأثر فيه، في «الفصل الثّالث في بعض مآثر الحسن»، وسكت عليه ابن حجر الهيتمي في الموضع الأوّل، وذكره في موضع ثان وعزاه إلىٰ البزّار وغيره وسكت عليه أيضاً. وها هو تخريج هذا الأثر مع ذكر نصّه كاملاً:
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1776)، والطّبراني في «المعجم الكبير» (2761) من طرق عن أبي عوانة الوضّاح [ثقةٌ «تهذيب الكمال» (30/441)]، وخالد بن عبدالله الواسطي [ثقةٌ «تهذيب الكمال» (8/99)]. قالا (أبو عوانة وخالدٌ): عن حصين بن عبدالرّحمٰن [السّلمي: ثقةٌ «تهذيب الكمال» (6/519)]، عن أبي جميلة [الطّهوي: مقبول الحديث «تهذيب الكمال» (29/194)] قال: «إن الحسن بن علي استخلف حين قتل علي رضي الله عنه، قال: فبينما هو يصلّي إذ وثب عليه رجلٌ فطعنه بخنجر، وزعم حصينٌ أنه بلغه أن الذي طعنه رجلٌ من بني أسد، قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه، فمرض منها أشهراً، ثم برأ، فقعد علىٰ المنبر، فقال: يا أهل العراق! اتقوا الله فينا! فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ، قال: فما زال يقولها حتىٰ ما بقي أحدٌ من أهل المسجد إلا وهو يحنّ بكاءً».
وقال الهيثمي: «رجاله ثقاتٌ». «مجمع الزوائد» (9/172).
قلت: هـٰذا إسنادٌ متّصلٌ، ورجاله ثقاتٌ عدا أبي جميلة ميسرة بن يعقوب الطّهوي، فذكره ابن حبّان في «الثقات» (5/427)، وقال الذهبي في «الكاشف» (5754): «وثّق». وقال الحافظ في «تقريب التهذيب» (7088): «مقبولٌ» أي: حيث يتابع وإلّا فلين الحديث.
قلت: ولكنه لم يضعّف، ولم يرو ما يترك من أجله، وروىٰ عنه جمعٌ من الثّقات، إضافةً إلىٰ كونه من التّابعين، ولعلّه ممن يتسامح في نقله للآثار، والله أعلم.
وبها يثبت أن الحسن رضي الله عنه كان يخاطب شيعته وشيعة أبيه علي رضي الله عنه من أهل العراق، ولّما بلغهم أنه عزم علىٰ مصالحة معاوية رضي الله عنه والتنازل له أرادوا قتله واغتياله!
([14]) قال محقق المراجعات: «فراجعه في ص90 من «الصواعق المحرقة» لابن حجر».
قلت: قد راجعت «الصواعق» لابن حجر الهيتمي، فوجدته سكت عليه، وعزاه إلىٰ «تفسير الثّعلبي» المسمّىٰ بــ«الكشف والبيان عن تفسير القرآن»، والثّعلبي هو أحمد بن إبراهيم النّيسابوري (427هــ).
وقد بين الدكتور محمد حسين الذهبي أنه «لم يتحرّ الصّحّة في كل ما ينقل من تفاسير السّلف. «التّفسير والمفسّرون» (1/227 ــ 234).
بل نجده ــ كما قال السّيوطي ــ يكثر من الرواية عن السّدّي الصّغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهـٰذا إسنادٌ لا يصحّ. ووقع فيما وقع فيه كثيرٌ من المفسّرين من الاغترار بالأحاديث الموضوعة في فضائل القرآن سورةً سورةً المنسوبة إلىٰ أبي بن كعب رضي الله عنه، كما أنه اغترّ بكثير من الأحاديث الموضوعة علىٰ ألسنة الشّيعة فسوّد بها كتابه دون أن يشير إلىٰ وضعها واختلاقها، وهـٰذا يدلّ علىٰ أن الثعلبي لم يكن له باعٌ في معرفة صحيح الأخبار من سقيمها. وقد جرّ علىٰ نفسه وعلىٰ تفسيره بسبب هـٰذه الأحاديث الكثيرة الموضوعة والإسرائيليات اللّوم المرير والنّقد اللاذع من العلماء. انظر: «الإتقان» (4/186).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مقدمة أصول التفسير» ص19: «فيه خيرٌ ودينٌ، وكان حاطب ليل، ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع». وقال في «مجموع الفتاوىٰ» (2/193): «فيه سلامةٌ من البدع وإن ذكرها تقليداً لغيره، وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلةٌ، وفيها غثٌّ كثيرٌ من المنقولات الباطلة وغيرها».
وقال الكتاني في «الرسالة المستطرفة» (ص59) عند الكلام عن الواحدي المفسّر: «لم يكن له ولا لشيخه الثّعلبي كبير بضاعة في الحديث، بل في تفسيرهما ــ وخصوصاً الثعلبي ــ أحاديث موضوعةٌ وقصصٌ باطلةٌ» اهــ.