المَبحثُ الثَّانِي

حَدِيثُ الكِسَاءِ وآيةُ المباهلةِ

  عن عَائِشةُ  ([1]) قَالَتْ: خَرَجَ النّبيُّ غَدَاةً وَعَلَيه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ([2])، فَأَدَخَلَ عَلِيّاً، وَفَاطِمَةَ، وَالحَسَنَ، وَالحُسَينَ  رضي الله عنهم، ثُمَّ قَالَ: ﴿.. إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣﴾ [الأحزاب: ٣٣].

  يَسْتَدِلُّونَ بِهذَ الحَدِيثِ عَلَىٰ أَنَّ  اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ أَرَادَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُم الرِّجْسَ، وَمَا يُرِيدُه  اللهُ يَقَعُ، فَإِذَا أَذْهَبَ  اللهُ عَنْهُم الرِّجْسَ صَارُوا مَعْصُومِينَ، فَإِذَا صَارُوا مَعْصُومِينَ؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الأَوْلَىٰ بِالخِلَافَةِ مِن غَيرِهِم.

  وَهَذَا ادِّعَاءٌ بَاطِلٌ لأُمُورٍ كَثِيرةٍ مِنْها:

  أَوّلاً: هَذِه الآيةُ وَهِي الَّتِي تُسَمَّىٰ «آيةُ التَّطْهِير» إِنَّمَا نَزَلَت فِي نِسَاءِ النَّبيِّ كَمَا قَالَ  اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿يَانِسَاءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ ٱلنِّسَاءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ٣٢﴾ [الأحزاب: ٣٢ ــــ ٣٤]. فَالَّذِي يُرَاعِي سَيَاقَ هَذِه الآيَاتِ يُوقِنُ أنَّها فِي نِسَاءِ النَّبيِّ خَاصَّةً.

  وأما قَولُ  اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿.. لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ... ٣٣﴾ وَلَمْ يَقُلْ «عَنْكُنَّ»، و﴿.. وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣﴾ ولم يَقُلْ: «يُطَهِّركُنَّ» فيستدلُّ البعضُ علىٰ أنه لَمَّا جَاءَتْ هُنَا مِيمُ الجَمْعِ دَلَّ عَلَىٰ خُرُوجِ نِسَاءِ النَّبيِّ مِنَ التَّطْهِيرِ وَدُخُولِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ بِدَلِيلِ الحَدِيثِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لأنَّ الآيةَ مُتَّصِلَةٌ وَهِي قَولُ  اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ... ٣٣﴾ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بـ: ﴿وَٱذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ... ٣٤﴾ فَالخِطَابُ كُلُّه فِي هَذِه الآيَاتِ لِنِسَاءِ النَّبيِّ.

  وَإِنَّمَا سُمِّيتْ آيةَ التَّطْهيرِ مِنْ بَابِ التَّسَامُحِ في الَألْفَاظِ؛ وَإِلَّا فَهِي جُزْءٌ مِنْ آيةٍ وَلَيستْ بآيةٍ مُسْتَقِلَّةٍ.

  ثَانياً: ذَكَرَ  اللهُ   ميمَ الجَمْعِ بَدَلَ نُونِ النِّسْوَةِ؛ لأنَّ النِّسَاءَ دَخَلَ مَعَهُنَّ النَّبيُّ (وَهُو رَأْسُ أَهْلِ بَيتِه)، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ عَن زَوجةِ إبْرَاهِيمَ: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ٧٣﴾ [هود: ٧٣]. مَعَ أَنَّهُمَا إِبْرَاهيمُ وَزَوجَتُه، وَقَالَ تَعَالَىٰ عَن مُوسَىٰ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى ٱلْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٢٩﴾ [القصص: ٢٩]. وَكَانَت مَعَه زَوجَتُه وقول امرأة العزيز لزوجها ﴿.. مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا... ٢٥﴾ [يوسف: ٢٥]؛ تعني: نفسها، فَقُولُ  اللهِ: ﴿.. إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣﴾ .

  وَقَالَ هُنا: ﴿.. عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣﴾ لِدُخُولِ النَّبيِّ مَعَ نِسَائِه فِي هَذِه الآيةِ، لَا أَنَّ عَلِيّاً وَفَاطِمةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ دَخَلُوا ضِمْنَ هَذِه الآيةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ وَالحَسَنُ والحُسَينُ وَفَاطِمَةُ  رضي الله عنهم مِن أَهْلِ بَيتِ النَّبيِّ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الكِسَاءِ لَا بِدَلِيلِ الآيةِ، فَحَدِيثُ الكِسَاءِ هُو الَّذِي يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ مِنْ آلِ بَيتِ النَّبيِّ، وَذَلِكَ لَمَّا غَطَّاهُم النَّبيُّ بِالكِسَاءِ وَقَرَأَ: ﴿.. إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣﴾ فَأَدْخَلَهُم فِي أَهْلِ بَيتِه.

  ثَالِثاً: إِنَّ مَعْنَىٰ أَهْلِ بَيتِ النَّبيِّ يَتَعَدَّىٰ زَوجَاتِ النَّبيِّ ويَتَعَدَّىٰ عَلِيّاً والحَسَنَ والحُسَينَ وفَاطِمَةَ إِلَىٰ غَيرِهم، كَمَا فِي حَديثِ زَيدِ ابنِ أَرْقَمَ وَأَنَّه لَمَّا قِيلَ لَه: نِسَاؤُه مِنْ أَهْلِ بَيتِه؟ قال: نساؤه من أهلِ بيتهِ، وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيتِه الَّذِين حُرِمُوا الصَّدَقَةَ وَهُم آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَر، وآلُ عقَيلٍ، وآلُ العَبَّاسِ قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصَّدقةَ؟ قال: نعم. إذاً اتَّسَعَ مَفْهُومُ أَهْلِ بَيتِ النَّبيِّ إِلَىٰ أَكْثَر من ذَلِكَ.

  هُم نِسَاؤُه بِدَلِيلِ الآيةِ، وَعَلِيٌّ وَفَاطمةُ وَالحَسَنُ والحُسَينُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الكِسَاءِ، وَبِدَلِيلِ حَدِيثِ زَيدِ بنِ أَرْقَمَ. وَآلُ عَبّاسِ بنِ  عَبدِ  المُطَّلِبِ، وَآلُ عقَيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وآلُ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالب، وآلُ عَلِيٍّ ابنِ  أَبِي  طَالِبٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ زَيدِ بنِ أَرْقَمَ.

  فَكُلُّ هَؤُلَاءِ هُم أَهْلُ بَيتِ النَّبيِّ، بل جَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ آلِ البَيتِ، وَهُم كُلُّ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ. بَدَلِيلِ حَدِيثِ عبدِ المُطَّلِبِ بنِ رَبيعةَ ابنِ الحَارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلبِ قَالَ: اجْتَمَعَ رَبِيعةُ بنُ الحَارِثِ، والعَبَّاسُ ابنُ عَبدِ المُطَّلبِ فَقَالَا: وَاللهِ لَو بَعَثْنَا هَذِينِ الغُلَامَينِ ــــ قَالَا لِي([3])، وَلِلْفَضْلِ بنِ العَبَّاسِ ــــ إِلَىٰ رَسُولِ  الله فَكَلَّمَاهُ فَأَمَّرَهُمَا عَلَىٰ هَذِه الصَّدَقَاتِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوقَفَ عَلَيهِمَا، فَذَكَرَا لَه ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَفْعَلَا. فَوَاللهِ مَا هُو بِفَاعِلٍ، فَانْتَحَاهُ رَبِيعةُ بنُ الحَارِثِ فَقَالَ: وَاللهِ مَا تَصْنَعُ هَذَا إِلَّا نَفَاسَةٌ مِنْكَ عَلَيْنَا ــــ يَعْنِي: تَحْسُدُنَا ــــ فَواللهِ لَقَد نِلْتَ صهْرَ رَسُولِ  اللهِ، فَمَا نَفَسْنَاهُ عَلَيكَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَرْسِلُوهُمَا، فَانْطَلَقَا وَاضْطَجَعَ عَلِيٌّ.

  قَالَ: فَلَمَّا صَلَّىٰ رَسُولُ  الله الظُّهْرَ سَبَقَاه إِلَىٰ الحُجْرَةِ، قَالَ: فَقُمْنَا عِنْدَهَا حَتَّىٰ جَاءَ فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، ثُمَّ قَالَ: «أخْرِجَا مَا تُصْرِّرَانِ»، ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلْنَا عَلَيه وَهُو يَومَئِذٍ عِندَ زَينبَ بنتِ جَحْشٍ. قَالَ: فَتَواكَلْنَا الكَلَامَ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ  اللهِ أَنْتَ أبَرُّ النَّاسِ، وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ، وَجِئْنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَىٰ بَعْضِ هَذِه الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّي إِلَيكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ. قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلاً حَتَّىٰ أَرْدْنَا أَنْ نُكَلِّمَه. قَالَ: وَجَعَلَتْ زَيْنَبُ تُلْمِعُ عَلَينا مِن وَرَاءِ الحِجَابِ أَنْ لَا  تُكَلِّمَاه. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبِغِي لآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِي أَوْسَاخُ النَّاسِ»([4]).

  رَابِعاً: الآيةُ لَيسَ فِيهَا أَنَّ  اللهَ أَذْهَبَ عَنْهُم الرِّجْسَ؛ لأنَّ هَذِه الإِرَادَةَ إِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ، إِرَادَةُ المَحَبَّةِ، وَهِي غَيرُ الإِرَادَةِ القَدَرِيَّةِ؛ يَعْنِي: يُحِبُّ  اللهُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ  اللهَ أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَن فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ وَعلِيٍّ وَزَوجَاتِ النَّبيِّ وَآلِ عقَيلٍ، وآلِ جَعْفَرٍ، وَآلِ عَبَّاسٍ. وَلَكِنَّ الإِرَادَةَ هُنَا فِي هَذِه الآيةِ هِي الإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَلِذَلِكَ فِي الحَدِيثِ نَفْسِه أَنَّ النَّبيَّ لَمَّا جَلَّلَهُم بِالكِسَاءِ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُم الرِّجْسَ»([5]).

  فَإِذَا كَانَ  اللهُ أَذْهَبَ عَنْهُم الرِّجْسَ لِمَاذَا يَدْعُو لَهُم بِإِذْهَابِ الرِّجْسِ([6])؟!

  فدُعَاءُ النَّبيِّ دَلِيلٌ عَلَىٰ أَنَّ هَذِه الإِرَادَةَ إِرَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ مِثلُ قَولِ  اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٢٦﴾ [النساء: ٢٦ ــــ ٢٨].

  كُلُّ هَذِه الإِرَادَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا  اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ إِنَّمَا هِي الإِرَادَاتُ الشَّرْعِيَّةُ، فَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنِ النَّاسِ جَميعاً، وَيُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَىٰ النَّاسِ جَمِيعاً، وَلَكِن هَلْ تَابَ عَلَىٰ جَميعِ النَّاسِ؟ فَمِنَ النَّاسِ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، وَلَم يَتُبِ  اللهُ عَلَىٰ جَميعِ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ٢﴾ [التغابن: ٢].

  خَامِساً: إِنَّ  اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ يُريدُ إِذْهَابَ الرِّجْسِ عن كُلِّ أَحِدٍ وَعَن كُلِّ مُؤْمِنٍ.

  وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبيُّ المُسْلِمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَن يَتَجَنَّبَ أَمَاكِنَ الوَسَخِ، وَقَالَ  اللهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ٤﴾ [المدثر: ٤]. وَأَمَرَ بَالوضُوءِ، وَأَمَرَ بِالاغْتِسَالِ عِندَ الجَنَابةِ([7]).

  سَادِساً: التَّطْهِيرُ لَيسَ خَاصّاً بِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنِ والحُسَينِ  رضي الله عنهم، بَلْ وَاقِعٌ لِغَيرِهِم أَيضاً كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٠٣﴾ [التوبة: ١٠٣]، وَقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿.. مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٦﴾ [المائدة: ٦].

  وقال تعالىٰ: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ ١١﴾ [الأنفال: ١١].

  وهؤلاء ــــ الثَّلَاثُمئة وبضعة عشر ــــ يكونون إذاً علىٰ مذهبِ هؤلاءِ وقياسِهم معصومينَ؛ لأنَّ  اللهَ تباركَ وتعالَىٰ قالَ: ﴿.. لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ... ١١﴾

  سَابِعاً: إِذْهَابُ الرِّجْسِ لَا يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّهُم الخُلَفَاءُ بَعدَ رَسُولِ  اللهِ، بَلْ نَحْنُ نُوقِنُ أَنَّ  اللهَ أَذْهَبَ عن عَلِيٍّ الرِّجْسَ وَلِذَلِكَ صَارَ مَولَىٰ المُؤْمِنينَ، وَكَذَلِكَ الحَسَنُ وَالحُسَينُ وَفَاطِمَةُ، وَكَذَلِكَ زَوجَاتُ النَّبيِّ وَلِذَلِكَ سَمَّاهُنَّ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ: ﴿ٱلنَّبِيُّ أَوْلَى بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ... ٦﴾ [الأحزاب:  ٦].

  وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبيِّ، فَإِنَّ  اللهَ أَذْهَبَ عَنْهُم الرِّجْسَ جَميعاً بِدَلِيلِ الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سَالِفاً([8]) فَصَارُوا مَوَالِي المُسْلِمِينَ، ثُمَّ إِنَّ ذَهَابَ الرِّجْسِ لَا يَدُلُّ عَلَىٰ العَصْمَةِ، وَلا يَدُلُّ عَلَىٰ الإِمَامَةِ مِن بَابِ أَوْلَىٰ.

  آيةُ المُباهلةِ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ ٦١﴾ [آل عمران: ٦١]؛ يُمْكِنُ إجْمالُ مُنَاقَشَتِنَا لِهذا الاسْتدلالِ في نِقَاطٍ:

  تاريخ المُبَاهَلَةِ: سنة (١٠هـ).

  ﴿.. أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ ٦١﴾ : هُم الحسَنُ والحُسَيْنُ.

  وقيلَ: عَلِيٌّ؛ لأنَّهُ بِمَنزِلَةِ الابْنِ بالنسبةِ لِرَسُولِ  اللهِ، حَيْثُ تَرَبَّىٰ في بَيْتِهِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، وتَزوّجُ ابنتَهُ.

  ﴿.. وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ ٦١﴾ : فَاطِمَةُ.

  ﴿.. وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ ٦١﴾ : النَّبِيُّ؛ لأنّ الرجُلَ يُمْكنُ أنْ يُناديَ نَفْسَهُ ويُخاطبَها، ويَدُلُّ علىٰ ذلكَ أمورٌ:

  الْأَمْرُ الأوَّلُ: لا أحَدَ يُسَاوي رَسولَ  اللهِ، لا عَلِيّاً ولا غيرَهُ.

  الأَمْرُ الثَّانِي: إذَا كَانَ المقصودُ أنَّ النَّبِيَّ لا بدَّ أنْ يأتيَ بواحدٍ كَنفْسِهِ؛ فَهَلْ هذا الأمرُ كذلِكَ مَعَ مَنْ يُبَاهِلُهُ ؟!

  وقولهُ تعالَىٰ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ١٢٨﴾ [التَّوْبِة: ١٢٨].

  فلِـمَ قدَّمَ النَّبِيُّ عَلِيّاً، وفَاطِمَةَ، والحسَنَ والحُسَيْنَ؟

  •   لَمْ يَكُنْ أحدٌ أقربَ نَسَباً إليهِ مِنْهُمْ.
  • المُبَاهَلةُ إنّما تَحْصُلُ بالأقربينَ؛ لأنَّ النُّفوسَ تَحنو علىٰ أقاربِها طَبعاً، وتجنّبُها المهالكِ.
  • آيةُ المُبَاهَلَةِ كانتْ سنةَ (١٠هـ) مع وَفْدِ نَجْرَانَ، وكانَ كُلُّ أوْلادِ النَّبِيِّ قد تُوفُّوا: رُقَيّة (٢هـ)، زَيْنَب (٨هـ)، أُمّ كُلثومٍ (٩هـ)، أمّا إبراهيمُ والقاسمُ وعبدُ  الله؛ فماتُوا صِغاراً قبلَ هذهِ الحادثةِ بكثيرٍ.
  • لَا شَكَّ أنَّ فيه نَوعَ فضيلةٍ لهم.
  • لَمْ يَكُنْ مِنْ أقاربِ النَّبِيِّ موجوداً في ذَلِكَ الْوقْتِ مَنْ لَهُ مَكَانَةٌ في الدّينِ مثل عَليٍّ. أمَّا عَمُّهُ العَبَّاسُ؛ فكَانَ مَوْجوداً، ولَكِنْ لا يُقارنُ بِعَلِيٍّ؛ لأنَّهُ لَيْسَ مِنَ السَّابقينَ. وأمَّا بَنو عَمِّهِ؛ فَلَيْسَ فيهم مثلُ عَليٍّ إلَّا جَعْفَر، وكانَ قَدِ استُشْهِدَ في مُؤْتَةَ.

 

([1])    والحديثُ من روايةِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ «عَائِشَةَ بنتِ الصِّدِّيقِ»   كما ترَىٰ فانظر أيها المنصِفُ لها وهي تروي فضائلَ «آلِ البيْتِ»  رضي الله عنهم، ومع هذا يطعنُ فيها مَن لا  يخافُ  اللهَ تعالىٰ بحجةِ مَحبةِ آلِ البيتِ؟! وها هو الإمامُ مُسْلِمٌ  رحمه الله يُخَرِّجُ الحديثَ في «صحيحهِ» برقم (٢٤٢٤)، ولـم يَكتُمْهُ كمـا يفتري البعضُ علىٰ أئمّةِ أهلِ السُّنَّةِ، واللهُ المستعانُ.

([2])   «الـمِـرْطُ» بكسرِ الميمِ، كِسَاءٌ من صوفٍ أو خَـزٍّ. كمـا في «المعاجم». لذا يُسمَّىٰ هذا الحديثُ بحديثِ الكِسَاءِ.

([3])   القائلُ: (قالا لي..) هو عبدُ المُطَّلِبِ بنُ رَبَيْعَةَ ــــ وقيل: اسمُه المُطَّلِبُ، والمعنَىٰ: أنَّ كلّاً مِن رَبِيعَةَ وَالْعَبَّاسِ أرسلَا ولدَيْهما عبدَ  المُطَّلِبِ وَالْفَضْلَ إلىٰ رَسُولِ  الله  ﷺ ليطلبا عملاً يستعينانِ به علىٰ زواجهما.

([4])   أخرجه مسلم (١٠٧٢).

([5])   أخرجه التِّرمذيُّ (٣٧٨٧).

([6])   بل عند الشيعة الاثني عشرية أن الأئمة الاثني عشر ومعهم فاطمة خُلقوا مطهرين.

([7])   كما في الأحاديثِ الصحيحةِ الدّالةِ علىٰ هذا المعنىٰ، وهي في كتبِ الفقه/ أبواب الطهارة.

([8])   انظر تفصيلَ الرَّدِّ علىٰ هذه الشُّبهةِ في: «مُختصر التحفة الاثني عشرية» (ص١٤٩).