البَيْعَةُ لِيَزيدَ بنِ مُعَاويةَ:

  في سَنةِ سِتٍّ وخَمْسينَ من الهِجْرَةِ أَمَرَ مُعَاويةُ النَّاسَ أَنْ يُبَايعُوا لابْنِه يَزِيدَ بعدَه، وهُنَا عَدَلَ مُعَاويةُ عن طَرِيقَةِ مَنْ سَبَقَه، وذَلِكَ أَنَّ النَّبيَّ تَرَكَ الأَمْرَ أو نَصَّ علىٰ أَبي بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَصَّ عَلَىٰ عُمَرَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَنَصَّ علىٰ سِتَّةٍ وأَخْرَجَ سَعيدَ بنَ زيدٍ ابنَ عمِّهِ، وابنَه عبدَ  اللهِ، ثُمَّ جَاءَ عُثمانُ ولم يَنُصَّ علىٰ أَحِدٍ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ ولَم يَنُصَّ عَلَىٰ أَحَدٍ، وتَنَازَلَ الحَسَنُ لِمُعَاويةَ.

  فَقِيلَ لِمُعَاويةَ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَها كَمَا كَانَت عَلَىٰ زَمَنِ النَّبيِّ، أَو مَا كَانَ عَلِيه أَبُو بَكْرٍ الصّديق واعْهَدْ بالخِلَافةِ لِرَجُلٍ لَيسَ مِنْ أَهلِ بيتك، أَو مَا كَانَ عليه عُمَرُ؛ لأنَّه جَعَلَها في سِتَّةٍ لَيسُوا من أَهْلِ بَيْتِه، أو أَنْ تَتْرُكَ الأَمْرَ والمُسْلِمُونَ يُخْتَارُونَ، ولَكِنَّ مُعَاويةَ أَبَىٰ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الخَلِيفةُ بَعدَه يَزِيدَ([1]).

  ولَعَلَّه عَدَلَ عن الوَجْهِ الأَفْضَل لما كَانَ يَتَوجَّسُ من الفِتْنةِ والشَّرِّ إِذَا جَعَلَهَا شُورَىٰ، وقَدْ رَأَىٰ الطَّاعةَ والأَمْنَ والاسْتِقْرارَ في الجَانِبِ الذي فيه ابْنُه يَزِيدُ([2]). وهذا إن كان فليس بصوابٍ، بَلِ الصوابُ في الشورىٰ.

 

([1])    أخرجه خليفة بن خياط في «الطبقات» (ص٥٢)، من طريق جويرية بن أسماء عن أشياخ أهل المدينة.

([2])   انظر: «مقدمة ابن خلدون» فصل في ولاية العهد (ص١٦٦).