البَيْعةُ للحسنِ
20-03-2023
المبحثُ الثاني
البَيْعةُ للحسنِ رضي الله عنه بالخلافةِ
بعدَ مَقْتلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بَايَعَ أَهْلُ الكُوفَةِ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ، وخَرَجَ بعدَ أَنْ عُقِدَتْ له البَيْعَةُ منَ الكُوفَةِ إلىٰ الشَّامِ؛ لأَنَّهُم إِلَىٰ الآن لَم يَنْزِلُوا عَلَىٰ طَاعَةِ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَليِّ بنِ أَبِي طَالبٍ رضي الله عنه.
الحسنُ بنُ عليٍّ يُصالحُ مُعاويةَ ويجتمعُ أمرُ المسلمينَ:
خَرَجَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ وَفِي نِيَّتِه الصُّلحُ، وكان لا يُحبُّ القتالَ، بل إنّ الحسنَ كان مُعارضاً لخروجِ أبيهِ عليٍّ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ([1]).
وكَانَ من عَلَامَاتِ إِرَادَتِه لِلصُّلْحِ أَنَّه عَزَلَ قَيسَ بنَ سَعدِ بن عُبادَةَ عن القِيَادَةِ، وجَعَلَ القِيَادَةَ بِيَدِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَىٰ عنهما.
فعنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ قَالَ: لَمَّا سَارَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إِلَىٰ مُعَاويةَ بِالكَتَائِبِ، قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ لِمُعَاويةَ: أَرَىٰ كَتِيبةً لَا توَلِّي حتىٰ تُدْبِرَ آخِرُها.
قال الحَسَنُ البَصْرِيُّ: ولقد سَمْعْتُ أبا بكْرةَ يَقُولُ: بَينَمَا رَسُولُ اللهِ يَخْطُبُ إِذْ جَاءَ الحَسَنُ فَقَالَ النَّبيُّ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ولَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ به بَينَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمينَ»([2]).
وعنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَرْسَلَ مُعَاويةُ إلىٰ الحَسَنِ سِجِلّاً قَد خُتِمَ في أَسْفَلِه «اكْتُبْ فيه ما تُرِيدُ فَهُو لَكَ». فَقَالَ عَمرُو بنُ العَاصِ: بَلْ نُقَاتِلُه. فَقَالَ مُعَاويةُ: ــــ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وكَانَ خَيرَ الرَّجُلَيْنِ ــــ: علىٰ رِسْلِكَ يَا أَبا عَبدِ اللهِ فَإِنَّكَ لَا تَخْلصُ مِن قَتْلِ هَؤُلاءِ حتَّىٰ يُقْتَلَ عَدَدُهم من أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيرُ الحَياةِ بعدَ ذَلِكَ؟
وإِنِّي واللهِ لَا أُقَاتِلُ حَتَّىٰ لَا أَجِدَ مِنَ القِتَالِ بُدّاً.
وَالْتَقَىٰ مُعَاويةُ بالحَسَنِ بعدَ ذَلِكَ، وتَنَازَلَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِمُعَاويةَ بالخِلَافةِ فَأَصْبحَ مُعَاويةُ أَمِيراً لِلْمُؤْمِنينَ، وسُمِّيَ هَذَا العَامُ «عَامُ الجَمَاعةِ».
وكَانَت خِلافَةُ الحَسَنِ لِمُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابن الأَثيرِ رحمه الله: «كانَ حَلِيماً كَريماً ورِعاً، دَعاهُ وَرَعُهُ وَفَضْلُهُ إلىٰ أَنْ تَرَكَ المُلْكَ وَالدُّنْيا رَغْبَةً فِيما عِنْدَ الله..، وَكانَ قَدْ سارَ إلىٰ مُعَاوِيةَ فَلَمَّا تَقارَبا عَلِمَ أَنَّهُ لَنْ تَغْلِبَ إحْدىٰ الطّائِفَتَيْنِ حَتَّىٰ يُقْتَلَ أَكْثَرُ الأُخْرىٰ، فَأَرْسَلَ إلىٰ مُعاوِيةَ يَبْذُلُ لَهُ تَسْليمَ الأَمْرِ إِلَيْهِ عَلَىٰ أَنْ تَكونَ الخِلافَةُ بَعَدَهُ، وعلىٰ أَنْ لا يَطْلُبَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ المَدينَةِ والحِجازِ والعِراقِ بِشَيءٍ مما كان أيامَ أَبيهِ، وغَيْر ذلكَ مِنَ القَواعِدِ، فَأَجابَهُ مُعاوِيَةُ إلىٰ ما طَلَبَ، فَظَهَرَتِ المُعْجِزَةُ النَّبَويَّةُ في قَوْلِهِ: «إنَّ ابْني هذا سَيِّدٌ، يُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمينَ»، وَأَيُّ شَرَفٍ أَعْظُمُ مِنْ شَرَفِ مَنْ سَمَّاه رَسولُ اللهِ ﷺ سَيِّداً؟»([3]).