وأمَّا سَبَبُ وَفَاتِه:

  فقَالَ عُميرُ بنُ إسحاقَ: دَخَلْتُ أَنَا وصَاحِبٌ لِي عَلَىٰ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ نَعُودُه، فَقَالَ لِصَاحِبي: يَا فُلانُ، سَلْنِي؟

  قَالَ: مَا أَنَا بِسَائِلِكَ شَيئاً. ثُمَّ قَامَ مِن عِندِنا فَدَخَلَ كَنِيفاً لَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَي فُلَانُ، سَلْنِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلني، فَإِنِّي واللهِ قَدْ لَفَظْتُ طَائِفةً من كَبِدِي قَبْلُ قَلَّبْتُهَا بِعُودٍ كَانَ مَعِي، وإِنِّي قَدْ سُقِيْتُ السُّمَّ مِرَاراً، فَلَم أُسْقَ مِثْلَ هَذَا فَسَلْنِي.

  فَقَالَ: مَا أَنَا بِسَائِلِكَ شَيْئاً، يُعَافِيكَ  اللهُ إِنْ شَاءَ  اللهُ.

  ثُمَّ خَرجْنا فَلَمَّا كَانَ الغَدُ أَتيْتُه وَهُو يَسُوقُ، فَجَاءَ الحُسَينُ فَقَعَدَ عندَ رَأْسهِ فَقَالَ: أَيْ أَخِي: أَنْبِئْنِي مَنْ سَقَاكَ.

  قَالَ: لِمَ؟ أَتقْتُلُه؟ قَالَ: نَعَم.

  قَالَ: مَا أَنَا بِمُحَدِّثِكَ شَيْئاً، إِنْ يَكُ صَاحِبي الذي أَظُنُّ فَاللهُ أَشَدُّ نِقْمةً، وإِلَّا فَواللهِ لَا يُقْتَلُ بي بَرِيْءٌ([1]).

  وقِيلَ: إِنَّ الّتِي سَقَتْهُ السُّمَّ زَوجَتُهُ جَعْدَةُ بِنْتُ الأَشْعَثِ، وَلَكِنَّه لَمْ يَثْبُتْ.

  وقالَ ابنُ كَثيرٍ: «وَرَوىٰ بَعْضُهُمْ أَنَ يَزيدَ  بْنَ مُعاوِيةَ بَعَثَ إلىٰ جَعْدَةَ بنْتِ الأَشْعَثِ: أنْ سُمّي الحَسَنَ وَأَنا أَتَزَوَّجُكِ بَعْدُ فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا مَاتَ الحَسَنُ بَعَثَتْ إليهِ، فَقالَ: إنَّا واللهِ لَمْ نَرْضَكِ لِلْحَسَنِ، أَفَنَرْضاكِ لِأنْفُسِنا؟!».

  قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: «وعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيسَ بِصَحِيحٍ»([2]).

  وقَالَ الذَّهَبِيُّ: «هَذَا شَيء لَا يَصِحُّ فَمَنِ الَّذي اطَّلَعَ عَليه»([3]).

  قُلْتُ: لا شَكَّ في صِحَةِ كَلامِ ابْنِ كَثيرٍ، وإلا فَمَنْ تَتْركِ الحَسَنَ حتَّىٰ تَتَزَوَّجَ بِيَزيدَ؟!

  وَصَلَّىٰ عَلَيْهِ سَعيدُ  بْنُ العاصِ أَميرُ المَدينَةِ، ودُفِنَ  رضي الله عنه بالبَقيعِ

  قالَ مساورٌ السَّعْديُّ: رَأْيتُ أبا هُريرَةَ قائِماً علىٰ مَسْجِدِ رَسولِ  اللهِ  ﷺ يَوْمَ مَاتَ الحَسَنُ؛ يَبْكي وَيُنادي بِأَعْلىٰ صَوْتِهِ: يا أيّها الناس! ماتَ اليَومَ حِبُّ رَسولِ  اللهِ  ﷺ، فابْكوا([4]).

 

([1])    أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٣٧٣٥٩).

([2])   «البداية والنهاية» (٨/٤٤).

([3])   «تاريخ الإسلام» عهد مُعَاوِيَة (ص٤٠).

([4])   «سير أعلام النبلاء» للذهبي (٣/٢٧٧).