أينَ الحقُّ فَيمَا وَقَعَ بين الصَّحابةِ
20-03-2023
أينَ الحقُّ فَيمَا وَقَعَ بين الصَّحابةِ؟:
قالَ رَسُولُ اللهِ عن عَمَّارٍ «تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيةُ»([1]).
وقَالَ عَنِ الخَوَارِجِ: «يَخْرُجُونَ علىٰ حِينِ اخْتِلافٍ بَينَ المُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُم أَوْلَىٰ الطَّائِفَتَينِ بِالحقِّ»([2]). وَفِي رِوَايةٍ: «أَقربُ الطائفتينِ إلىٰ الحقِّ».
فَالحَدِيثَانِ صَرِيحَانِ في أَنَّ الحَقَّ كَانَ أَقْرَبَ إلىٰ عَليٍّ رضي الله عنه.
فالحَدِيثَانِ يَنُصَّانِ عَلَىٰ أَنَّ عَلِيّاً كَانَ أَقْرَبَ لِلحَقِّ من مُخَالِفِيه في الجَمَلِ، وكَذَلِكَ في صِفِّينَ، ولَكِن لم يُصِبِ الحَقَّ كُلَّه؛ لأَنَّ الرَّسُولَ قَالَ: «الأَقْرَبُ إلىٰ الحَقِّ»، «الأَوْلَىٰ بالحَقِّ»، لا أَنَّه عَلَىٰ الحَقِّ كُلِّه. ولَيسَ هَذَا طَعْناً في عَلِيٍّ رضي الله عنه، ولَكِن لِبَيانِ أَنَّ الذينَ امْتَنَعُوا عَنِ المُشارَكةِ في الفِتْنةِ هُمُ الذين كَانُوا علىٰ الحَقِّ كُلِّه، فَالسَّلَامةُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه كَانَتْ في الإِمْسَاكِ عَنِ القِتَالِ، ولِذَلِكَ نَدِمَ عَلِيٌّ لَمَّا رَأَىٰ طَلْحَةَ قَتِيلاً، وقَالَ: «لَيتَنِي مِتُّ قَبْلَ عِشْرِينَ سَنةً»([3]).
ولَمَّا أخْبَرَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلِيّاً بالَّذي حَدَثَ في صِفِّين قَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الأَمْرَ يكونَ هكذا مَا خَرَجْتُ»([4]). ونَدِمُوا كُلُّهم عَلَىٰ المُشَارَكَةِ في تِلْكَ المَعَارِكِ.
ولقد أَثْنَىٰ النَّبيُّ عَلَىٰ الحَسَنِ، فقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِه بَينَ طَائِفَتَينِ من المُسْلِمِينَ»([5]).
فَأَثْنَىٰ عَلِيه لِلصُّلْحِ، ولَمْ يُثْنِ عَلَىٰ عَلِيٍّ للقِتَالِ.
والثَّناء عَلَىٰ عَلِيٍّ كَانَ لِقتَالِه أَهْلِ «النَّهْرَوانِ»، فَقَد أَصَابَ الحَقَّ كُلَّه في قِتَالِه لِلخَوارجِ، ولِذَلكَ لَمْ يَحْزَنْ أَحَدٌ علىٰ قَتْلِهم، بل فَرِحَ المُسْلِمُونَ بقَتْلِ أَهْلِ النَّهْرَوانِ.
وعَليٌّ سَجَدَ للهِ شُكْراً لَمَّا قَتَلَ أَهْلَ النَّهرَوانِ، ولَكنّه بَكَىٰ لَمَّا قَاتَلَ أَهْلَ الجَمَلِ، وحَزِنَ لَمَّا قَاتَلَ أَهْلَ صِفِّين.
([1]) أخرجه البخاري (٤٤٧)، ومسلم (٢٩١٦).