بعدَ المعركةِ:

  لَمَّا انْتَهَتِ المَعْرَكةُ صَارَ عليٌّ  رضي الله عنه يَمُرُّ بين القَتْلَىٰ، فَوَجَدَ طَلْحةَ بنَ عُبيدِ  اللهِ، فَقَالَ بعدَ أَنْ أَجْلَسَه ومَسَحَ التُّرَابَ عن وَجْهِهِ: عَزِيرٌ عليَّ أَنْ أَرَاكَ مُجَدَّلاً تَحتَ نُجُومِ السَّمَاءِ أبا مُحمّدٍ. وبَكَىٰ عَليٌّ  رضي الله عنه، وقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبلَ هذا بعشرينَ سَنة([1]).

  وكَذلِكَ رَأَىٰ عليٌّ مُحمَّدَ بنَ طَلْحةَ فَبَكَىٰ، وكان مُحَمَّدُ بنُ طَلْحةَ يُلَقَّبُ بـ«السَّجَّادِ» من كَثْرةِ عِبَادَتِه  رضي الله عنه.

  وكلُّ الصَّحابةِ بلَا اسْتِثْناءٍ الذين شَارَكُوا في هذه المَعْرَكةِ نَدِمُوا عَلَىٰ مَا وَقَعَ.

  وابنُ جرمُوز هذا دَخَلَ علىٰ عليِّ ومعه سَيْفُ الزُّبيرُ، يَقُولُ: قَتَلْتُ الزُّبيرَ، قَتَلْتُ الزُّبيرَ، فَلَمَّا سَمِعَه عليٌّ قَالَ: «إنّ هذا السَّيفَ طَالَمَا فَرَّجَ الكَرْبَ عن رَسُولِ  اللهِ» ثُمَّ قَالَ: «بَشِّرْ قَاتِلَ ابنِ صَفِيَّةَ بالنَّارِ»، ولَمْ يَأْذنْ له بالدُّخُولِ عليه([2]).

  ولَمَّا انتهتِ المَعْرَكةُ، أَخَذَ عليٌّ  رضي الله عنه أُمَّ المُؤْمِنينَ عَائِشةَ  ، وأَرْسَلَها مَعزَّزةً مُكَرَّمةً إلىٰ مَدينةِ الرَّسُولِ كَمَا أَمَرَه.

  عن عليٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ  الله: «سَيكُونُ بَينَكَ وبينَ عَائشةَ أَمْرٌ» قَالَ عليٌّ: فَأَنَا أَشْقَاهُم يَا رَسُولَ  اللهِ، قال: «لَا، وَلَكِن إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَارْدُدْهَا إِلَىٰ مَأْمَنِهَا»([3]) فَفَعَلَ  رضي الله عنه مَا أَمَرَ به رَسُولُ  اللهِ.

 

([1])    انظر: «تاريخ دِمَشْقَ» لابن عساكر ــــ الْمختصر ــــ (١١/٢٠٧)، «أُسْد الغابة» (٣/٨٨) وقالَ البوصيري: «رجالهُ ثقاتٌ». نقله عنه الْحافظُ ابنُ حَجرٍ في «المطالب العالية» (٤/٣٠٢) مع اختلافٍ يسير في ألفاظه.

([2])   أخرجه ابن سعد في «الطبقات » (٣/١٠٥) بسند حسن.

([3])   أخرجه أحـمد (٦/٣٩٣)، وقالَ الْحافظ في «فتح الباري» (١٣/٦٠): «سنده حسن».