من كان في بيت عثمان من الصحابة وأولادهم:

  قال كِنانةُ مَولىٰ صَفيةَ أمِّ المؤمنينَ: شَهِدْتُ مَقتلَ عثمانَ، فأُخرجَ مِن الدارِ أربعةٌ منْ شبابِ قريشٍ مُدَرَّجين مَحْمولينَ كانوا يَدرؤونَ عن عُثمان، فذَكَر: الحسن بنَ عليٍّ، عبد الله بنَ الزُّبير، محمدَ بنَ حاطِب، ومروان بنَ الحَكَم. فقلت له: هل ندي محمدُ بنُ أبي بكرٍ بشيءٍ مِنْ دَمِهِ؟ فقال: معاذ الله، دخلَ عليهِ فقال له عثمان: لستَ بصاحِبي، وكلَّمهُ بكلامٍ فخرَجَ ولم يند بشَيءٍ مِن دَمهِ([1]).

  عن أبي هريرة قال: كُنتُ مع عثمانَ يومَ الدارِ، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، طاب أم ضرب؟ فقال: يا أبا هريرة أيسُركَ أن قتلتَ الناسَ كلَّهم وأنا معهم؟ فقال: لا. فقال: إنكَ إنْ قتلتَ إنْساناً واحِداً فَكأنما قتَلْتَ الناسَ جَميعاً([2]).

  عن ابنِ سيرينَ قال: جاءَ زيدُ بنُ ثابِتٍ إِلىٰ عثمانَ، فقال: هذهِ الأنصارُ بِالبابِ، قالوا: إِن شِئتَ أن نكونَ أنصارَ الله مَرَّتَينِ؟ فقال: أَما قِتالٌ فَلا([3]).

  عن عَبدِالله بن عامِرِ بنِ ربيعةَ قال: كنتُ مع عُثمانَ في الدّارِ، فقال: أَعزِمُ على كُلِّ مَن رأىٰ أَنَّ عليهِ سَمعاً وطاعةً إلا كَفَّ يَدَهُ وسِلاحَهُ([4]).

  عن عَبد الله بنِ الزُّبَيرِ قال: قلتُ لعثمانَ يَومَ الدّارِ: قاتِلهُم، فوالله لقَد أَحَلَّ الله لَكَ قِتالَهُم، فقال: لا والله لَا أقاتلُهُم أَبَداً، قال: فَدَخَلوا عَليهِ وهو صائِمٌ. قال: وقد كانَ عُثمانُ أَمَّرَ عَبدَ الله بنَ الزبَير عَلَىٰ الدّارِ، وقال عثمانُ: مَن كانَت لي عليه طاعَة فَليُطِع عَبدَ الله بنَ الزُّبَيرِ.

وعن عَبدِ الله بنِ الزُّبَيرِ قال: قُلتُ لعثمانَ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ، إِنَّ معكَ في الدّارِ عِصابَةً مُستَنصَرَةً بِنَصرِ الله بِأَقَلَّ مِنهُم لعثمانَ، فائذَن لي فَلأُقاتِلُ، فقال: أَنشُدُكَ الله رَجُلاً، أَو قال: أذكِّرُ بِالله رَجُلاً أَهراق فيَّ دَمهُ، أَو قال: أَهراقَ فيَّ دَماً([5]).

  ما السَّببُ الذي دعا عثمانَ إلىٰ اتخاذِ ذلكَ الموقفِ رغمَ حاجَتِهِ إلىٰ النُصْرةِ وقتالِ المحاصَرين؟!([6])

  أولاً: العملُ بوصيةِ رسولِ الله التي سارّه بها، وبيَّنها عثمان يوم الدار، وأنها عَهدٌ عُهِدَ به إليه وأنَّه صابِر نفسه عليه.

  ثانياً: قال عثمانُ: لنْ أكونَ أولَ مَنْ خلفَ رسولَ اللهِ ﷺ في أمتِهِ بسفكِ الدماءِ.

  ثالثاً: عِلمُهُ بأنَّ البُغاةَ لا يريدونَ غيرَهُ، فكرِهَ أن يَتوقىٰ بالمؤمنينَ، وأحَبَّ أن يَقيهُمْ بنَفْسِهِ.

  رابعاً: عِلْمُهُ بأنَّ هذه الفتْنةَ ستَنتَهي بقَتْلِهِ، وذلك فيما أَخبرَهُ بهِ رسولُ اللهِ عندَ تبشيرهِ إياهُ بالجنةِ علىٰ بَلوىٰ تُصيبُهُ.

  خامساً: العملُ بمَشورَةِ عبد الله بن سلام، فعن أبي ليلىٰ الكِندي قال: شَهِدتُ عُثمانَ وهو مَحصورٌ فاطَّلَعَ من كُوَّةٍ وهو يَقول: يا أَيُّها النّاسُ، لَا تَقتُلوني، واستَتيبوني فَوالله لَئِن قَتَلتُموني، لا تُصَلّونَ جميعاً أَبداً، ولَا تجاهِدونَ عَدواً جميعاً أَبداً، ولَتختَلِفُنَّ حتىٰ تَصيروا هَكَذا ــــ وشبَّكَ بين أصابِعِه ــــ، ثُم قال:

﴿ ويقوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد﴾  [هود: ٨٩]، وأرسَلَ إِلَىٰ عَبدِ الله بنِ سَلَامٍ فَقال: ما تَرَىٰ؟ فَقال: الكَفَّ الكَفَّ؛ فإنَّه أَبلغُ لكَ في الحُجَّةِ([7]).

 

([1])    «تاريخ المدينة النبوية» (٤/١٢٩٩).

([2])   «تاريخ المدينة النبوية» (٤/١٢٠٧)، «الإمامة» لأبي نعيم (١/٣٣٣).

([3])   «مصنف ابن أبي شيبة» (١٤/٥٩١).

([4])   «تاريخ المدينة» لخليفة بن خياط ص ١٧٣، وإسناده صحيح، وابن أبي شيبة (١٥/٢٠٤).

([5])   «الطبقات الكبرى» (٣/٧٠).

([6])   انظر: «فتنة مقتل عثمان»، لمحمد الصبحي ص٢٠٢.

([7])   «الطبقات الكبرى» (٣/٧١).