أَهمُّ الأحداثِ في خلافةِ عثمانَ
20-03-2023
أهم الأحداث:
- توسعة المسجد الحرام:
قَدِمَ أميرُ المؤمنين عثمانُ رضي الله عنه مَكَّةَ سنة (٢٦هــ) للعُمرة، فطافَ بالبيتِ، وَسَعَىٰ بين الصفا والمروة، ولاحظَ ضِيْقَ المسجدِ الحرامِ بِمَنْ فيه؛ بِسَبب زيادةِ عددِ الوافدينَ إليه، ولذا أَمَرَ بتوسِعَتِه، فاشترىٰ الدورَ المجاوِرِةَ لَهُ، وكَسا عثمان رضي الله عنه الكعبةَ المُشَرَّفَةَ بالقَباطِيِّ المِصْريةِ، وكَساها أيضاً بالبرودِ اليمنيةِ.
ويُذكر أنَّهُ أولُ مَنْ جَعَلَ كِسْوتَين للكَعبةِ، وَقَدْ حِيْكَت تِلكَ الكسوةُ في مِصر([1]).
- توسعة المسجد النبوي:
شَكَىٰ الناسُ في عَهْدِ عثمانَ رضي الله عنه ضِيقَ المسجِدِ النَّبَويِّ بِهمْ، لا سِيَّما أيامَ الجُمَعِ، فشاورَ رضي الله عنه أهلَ الرأيِ مِنَ الصَّحابةِ في ذلك، فاتَّفقوا علىٰ أنْ يَهْدِمَه ويزيدَ فيه، وذلك سنة (٢٩هــ)([2]).
قالَ نَافِعٌ: أخبرنا عَبْدُ الله: أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَىٰ عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَبْنِيّاً بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئاً وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَىٰ بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِاللَّبِنِ وَالجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَباً، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَىٰ جِدَارَهُ بِالحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ، وَالقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَّفَهُ بِالسَّاجِ([3]).
والزِّيادَةُ كانتْ مِنْ جِهاتِهِ الثَّلاثِ، حَيْثُ قُدِّرَتْ الزِّيادَةُ في الجِهاتِ الجَنوبِيةِ (القِبْلة) والشَّمالِيةِ والغَرْبِيةِ بِمقدارِ عَشْرة أَذْرُعٍ فصار طولُ المسجدِ النبوي بعد هذه الزيادة مئةً وستينَ ذراعاً، وعرضُه مئةً وخمسين ذراعاً([4]).
عن محمودِ بنِ لَبيد رضي الله عنه أن عثمانَ بْنَ عفّانٍ أراد بناءَ المسجدِ، فَكَرِهَ النّاسُ ذَلكَ، وأَحَبُّوا أن يَدَعَه علىٰ هيْئتهِ فقالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقول: «مَنْ بنىٰ مَسْجِداً لله، بَنَىٰ اللهُ لَهُ في الجنَةِ مِثْلَه»([5]).
- بِنَاءُ أَوَّلِ أُسْطُولٍ بَحْرِيّ:
لما وَلِي عُثْمان رضي الله عنه الخلافة سَنَةَ (٢٣هــ) بادَرَ مُعاويةُ بِطَلبِ الإِذْن بِفَتْحِ الرّومِ، ولكنّ عثمانَ رَدَّ عليه بِعَدَمِ الموافقةِ، وفي سَنَةِ (٢٧هــ) عاودَ مُعاويةُ طَلبَهُ مِنْ عُثمانَ الإِذنَ بِفتحِ جزيرةِ قُبْرص مهوناً عليه ركوبَ البحر، فوافقَ عُثمان رضي الله عنه هذه المرة، ولكن اشْتَرَطَ عليه أَنْ يَخْرُجَ هو وزوجتهُ علىٰ رأسِ الغزاةِ المُبحرين إلىٰ تلك الجزيرةِ، وأن لا يأخذ معه أحداً من المسلمين إلا عن رغبةٍ وطواعيةٍ دون إِكراه.
وَبَدَأَ مُعاويةُ رضي الله عنه فُتوحاتِهِ لمُدِنِ الشَّامِ السَّاحليةِ([6])، وكانَ مِنَ الطبيعيِّ أن يُهَيمِنَ المسلمونَ علىٰ دورِ الصناعةِ بها، وأن يَسْتَولُوا علىٰ ما تَرَكَهُ الرومُ من سُفنٍ حربيةٍ، أو تجاريةٍ يُمكن استغلالهُا في نقلِ الجنودِ أو العَتَاد، وأن يُسَخِّروا الملَّاحينَ والصُّنَّاع في تلك المدن، ويستفيدوا منهم في المجال البحريِ([7])، وكان هذا تأسيساً لقواعدِ الأُسطول الإسلامي
- جَمْعُ القُرْآنِ مَرَّةً ثَانِيَةً:
أَمَرَ عثمانُ رضي الله عنهم أن يَجْتَمِعَ الناسُ علىٰ مصحفٍ واحدٍ؛ لئلا يختلفوا فيتنازعون في كتاب اللهِ ويتفرقوا([8])، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قالَ: إن حذيفةَ بنَ اليمانِ قَدِمَ علىٰ عثمان وكان يُغازي أهلَ الشام في فَتْحِ أَرمينيَّة وأَذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقالَ حذيفةُ لعثمانَ: يا أميرَ المؤمنين أَدْرِك هذه الأمةَ قبلَ أن يختلفوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارىٰ، فأرسل عثمانُ إلىٰ حفصةَ أن أرسلي إلينا بالصُّحُفِ نَنْسَخُها من المصاحفِ ثم نردها إليك، فأرْسَلَتْ بها حَفْصَةُ إلىٰ عُثْمانَ، وكانَ هذا العَمَلُ بِمَشورةٍ مِنَ الصَّحابةِ واتَّفاقٍ مِنْهُم.
قالَ عليٌّ رضي الله عنه: يا أيَّها النَّاسُ لا تَغْلُوا في عُثْمانَ ولا تَقولوا لَهُ إلا خَيْراً في المَصاحِفِ، فَوالله ما فَعَلَ الذي فَعلَ في المصاحِفِ إلا عَنْ ملأٍ منا جميعاً، قالَ: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلَغَني أن بعضهُم يقول: إنَّ قراءَتي خيرٌ من قراءتك، وهذا يكادُ أن يكون كفراً، قلنا: فما ترىٰ؟ قالَ: نرىٰ أن نجمعَ الناسَ علىٰ مصحفٍ واحدٍ، فلا تكونُ فُرْقةٌ ولا يكون اختلافٌ، قلنا: فَنِعْمَ ما رأيتَ، قالَ علي: والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثلَ الذي فعل([9]).
وكَلَّفَ أربعةً: ثلاثةً من قريشٍ، وواحداً مِنَ الأنصارِ.
أمَّا القرشيّون فهم: عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ، وسعيدُ بنُ العاصِ، وعبدُ الرحمـٰـنِ بنُ الحارثِ. وأمَّا الأنصاريُّ فهو: زيدُ بنُ ثابتٍ.
ولمّا كُتبتِ المصاحفُ العثمانيةُ أُرسِلَتْ إلىٰ البلادِ الإسلاميّةِ، ولَمْ يَكْتَفِ عثمانُ بإرسَالِها إلىٰ الأمصارِ وحدَها لتكونَ الملجأَ والمرجعَ، بل أَرسلَ مع كُلِّ مُصحفٍ عالماً من عُلماءِ القِراءةِ يُعَلِّمُ المسلمين القرآنَ وفقَ هذا المصحفِ وعلىٰ مُقْتَضَاه.
فَأَمرَ زيدَ بنَ ثابتٍ أن يُقْرِئَ بالمدينةِ، وبَعَثَ عبدَ اللهِ بنَ السائبِ إلىٰ مكةَ، والمغيرةَ بنَ شهابٍ إلىٰ الشَّامِ، وعامرَ بنَ عبدِ القيسِ إلىٰ البصرةِ، وأبا عبدِ الرحمـٰـنِ السلميَّ إلىٰ الكوفةِ. وتَرَكَ عنده في المدينةِ مصحفاً سادساً وهو الذي يُسمَّىٰ بـ (المصحفِ الإِمامِ)، وأَمَر بإحراقِ ما كان من صحائفَ مُفَرَّقَةٍ عِنْدَ بَعْضِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم([10]).
وما أجمل ما قالَ بعضهم: إن أبا بكر جَمَعَ القرآنَ، وعثمانُ جَمَعَ الناسَ علىٰ القرآن.
وجَمْعُ عثمانَ هو جَمْعُ أبي بكر ، ولم يُغَيِّر فيه شيئاً، والذي جمعه أبو بكر هو ما عرضه رسول الله ﷺ علىٰ جبريل في العرضةِ الأخيرة التي اشتملت علىٰ ما لم يُنْسَخ من الأحرفِ السبعةِ، وصفة هذا الجمع قائمةٌ علىٰ ثلاثةِ أُسُسٍ:
- ما كُتب بَيْنَ يَدَي النَّبِي ﷺ.
- لا يُقْبَلُ إلا ما تَلَقَّوْهُ مِنْ فَمِ النَّبي ﷺ.
- لا يقُبل شيءٌ مِنَ المَكتوبِ حتَّىٰ يَشْهَدَ شاهدانِ علىٰ أنه كُتبَ بَيْنَ يَدَيِّ النَّبِي ﷺ.
والفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أبي بَكْرِ وَجَمْعِ عُثْمانَ هو:
- أن الباعثَ لجمعِ أبي بكر خشيةُ أن يَذْهَب شيءُ من القرآن، والباعثَ لجمعِ عثمانَ مَنْعُ الاختلافِ في قراءته، ولم يُغَيِّرْ رضي الله عنه حرفاً مما في مصحفِ أبي بكر رضي الله عنه، فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قالَ: قلت لعثمان: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا... ٢٣٤﴾ [البقرة: ٢٣٤] قد نَسَخَتها الآيةُ الأُخرىٰ، فلِمَ تكتبها أو تَدَعْها؟ قالَ: يا ابن أخي لا أُغيِّر شيئاً من مكانه([11]).
- جَمْعُ أبي بكر في مصحفٍ واحدٍ، وجمعُ عثمانَ بمعنىٰ نسخهِ في مصاحفَ مُتعددةٍ متحدةِ الإقراءِ بما يوافقُ رَسْمهَ.
([1]) «تاريخ خليفة بن خياط» (ص١٥٩)، «تاريخ الخلفاء» للذهبي (ص٣١٥).
([2]) «خلاصة الوفاء» للسمهوري (ص٢٦٠ ــــ ٣٦١).
([4]) «خلاصة الوفاء» للسمهوري (ص٢٦٣).
([6]) «فتوح البلدان» للبلاذري (ص١٥٠، ١٩٥).
([7]) «الإسلام في حوض البحر المتوسط» لحسن محمود (ص٣٨)، نقلاً عن «تاريخ الخلفاء الراشدين» للدكتور محمد أبا الخيل (ص٢٥٥).
([8]) قالَه ابن حجر في «فتح الباري» (٩/١٧).
([9]) «المصاحف» لابن أبي داود (ص٣٠)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (٩/١٨).