الفتوحات في خلافةِ عثمانَ
20-03-2023
المبحث الثالث
الفتوحات وأَهمُّ الأحداثِ في خلافةِ عثمانَ رضي الله عنه
أولاً: الفتوحات الإسلامية:
لَقَد كان عَهْدُ عثمانَ مَلِيئاً بالفتوحاتِ، واستمرَّتْ لمدَّةِ عشرةِ أعوامٍ، وكانت من أَجَلِّ السَّنواتِ، وتمَّ خلالَ هذه السنواتِ نَشْرُ بساطِ الدَّولةِ الإِسلاميَّةِ، ففيها غَزَا معاويةُ قبرصَ، وكان عُمَرُ قد مَنَعَ الغزوَ عن طريقِ البحرِ وأذِنَ عُثمانُ به، وفُتِحَتْ أذربيجانُ، وأرمينيةُ، وكابلُ، وسجستانُ، وغيرُها كثيرٌ، وفي خلافتِه كانت الغزوةُ العظيمةُ «ذاتُ الصَّواري».
وأكبرُ توسُّعٍ للإسلامِ في عهدِ الخلافةِ الرَّاشدةِ كان في عَهْدِ عثمانَ ابنِ عفانَ رضي الله عنه، وقد قامَ عثمانُ بتوسعةِ المسجدِ النَّبويِّ، والمسجدِ الحرامِ.
- غَزْوُ إِفريقيةَ (٢٧هـ)([1]):
أمَرَ عثمانُ رضي الله عنه عبدَ اللهِ بنَ سعدِ بن أبي السَّرحِ أَن يغزوَ بلادَ إِفريقيةَ، فإِذا افتتحَها اللهُ عليه فله خُمسُ الخُمسِ من الغنيمةِ نفلاً.
فَسَارَ إليها في عشرةِ آلافٍ فافتتحَها سَهْلَها وجَبَلَها ودَخَلَ أهلُها في الإسلامِ، وأَخَذَ عبدُ الله بنُ سعدٍ خُمسَ الخُمسِ من الغنيمةِ وبَعَثَ بأربعةِ أخماسِه إلىٰ عثمانَ، وقَسَّمَ أربعةَ أخماسِ الغنيمةِ بين الجيشِ، فأصابَ الفارسَ ثلاثةُ آلافٍ: ألفٌ له، وألفانِ لفرسِه وأصابَ الرَّاجِلَ ألفٌ.
- وَقْعةُ جَرْجِيرَ والبَرْبرِ مع المُسْلِمِينَ (٢٧هـ):
لما قَصَدَ المسلمون وَهُم عشرون ألفاً إفريقيةَ، وعليهم عبدُ اللهِ ابنُ أبي السَّرحِ، وفي جَيشِه عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وعبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ صَمَدَ إليهم مَلِكُ البَرْبرِ جَرْجِيرُ في عشرين ومئة ألفٍ، وقيل: مئتي ألفٍ؛ فَلَمَا تَرَاءَىٰ الجمعانِ، أَمَرَ جَيشَه، فَأَحَاطُوا بالمسلمينَ هَالةً، فَوقَفَ المسلمون في مَوقِفٍ لم يُرَ أشنعَ منه، ولا أَخْوفَ عليهم منه، قال عبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ: فنظرْتُ إلىٰ المَلِكِ جَرْجيرَ من وَرَاءِ الصُّفُوفِ وهو رَاكِبٌ علىٰ بِرْذَون([2])، وجَارِيتانِ تُظِلَّانِه بريشِ الطَّواويسِ، فذهبْتُ إلىٰ عبدِ الله بنِ سعدِ بنِ أبي السَّرحِ، فَسَأَلْتُه أَنْ يَبعثَ معي مَنْ يَحْمِي ظَهْرِي فَأَقْصِد المَلِكَ، فَجَهَّزَ معي جماعةً مِنَ الشُّجعانِ، قالَ: فأَمَرَ بهم فَحَمَوا ظَهْرِي، وذهبْتُ حتىٰ خَرَقْتُ الصُّفُوفَ إليه ــــ وَهُم يَظُنُّونَ أَنِّي في رِسَالةٍ إلىٰ المَلِكِ ــــ فَلَمَّا اقْتَربْتُ منه أحسَّ مِني الشَّرَّ فَفَرَّ علىٰ بِرْذَونِه، فَلَحِقْتُه فَطَعَنْتُه بِرُمحي، وذَفَفْتُ عليه بِسَيفِي، وأَخذْتُ رأسَه فَنَصَبْتُه علىٰ رأسِ الرُّمحِ وكَبَّرْتُ فلما رَأَىٰ ذلك البَرْبرُ فَرَقُوا([3]) وفَرُّوا كَفِرَارِ القَطَا، وأَتبعَهم المسلمون يَقْتلُون ويَأْسِرُونَ، فَغَنَمُوا غنائمَ جمَّةً وَأَمْوَالاً كثيرةً، وسَبياً عَظِيماً، وذلك ببلدٍ يقالُ له «سبيطلة» ــــ علىٰ يومينِ مِنَ القَيْرَوَانِ ــــ فكان هذا أوَّلَ موقفٍ اشتُهرَ فيه أَمْرُ عبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ رضي الله عنه([4]).
- ذاتُ الصّواري سنةَ (٣١هـ):
جمعَ قسطنطينُ بنُ هرقلَ الرّومَ ومعهم البَربرُ لقتالِ عبدِ اللهِ بنِ سعدِ بن أبي السَّرحِ، وسارُوا إلىٰ المسلمين في جَمْعٍ لم يُرَ مِثْلُه، وقد خَرَجُوا في خمسمئةِ مركبٍ، وقَصَدُوا عبدَ الله بنَ أبي السَّرحِ في أصْحَابِه ببلادِ المغربِ. فَلَما تَرَاءَىٰ الجَمْعَانِ، باتَ الرُّومُ يُصَلِّبُونَ، وباتَ المسلمون يُصَلُّونَ ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ. فلما أَصْبَحُوا صَفَّ عبدُ اللهِ ابنُ أبي السَّرحِ أصحابَه صُفُوفاً في المَرَاكبِ، وأَمَرَهُم بذِكْرِ اللهِ وتلاوةِ القُرْآنِ.
وكانتِ الريحُ مع الرُّومِ والبَربرِ، ثمَّ سَكَنَتِ الرِّيحُ، فقالَ لهم المسلمون: «إن شِئتُمُ القِتال». ثم أَنْزلَ اللهُ نَصْرَه علىٰ المسلمين، فَهَرَبَ قسطنطينُ وجَيشُه. وأقامَ عبدُ اللهِ بنُ أبي السَّرحِ بذاتِ الصَّواري أَيَّاماً، ثم رَجَعَ مَنْصُوراً مُظَفَّراً([5]).
([1]) «البداية والنهاية» (٧/١٥٧).
([2]) هو الخيلُ غير العَرَبيِّ. «لسان العَرَب» (١٣/٥١).
([3]) أي: خافوا. «لسان العَرَب» (١٠/٣٠٤).
([4]) «البداية والنهاية» أحداث سنه سبع وعشرين وقعة جرجير والبربر. وانظر: «تاريخ خليفة بن خياط» (١/٣٤).