خِلافةُ عُمَرَ بنِ الخطَّاب
19-03-2023
الفَصْلُ الثَّانِي
خِلافةُ أَمِيرِ المُؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه
مِنْ سَنةِ ١٣ إلىٰ ٢٣هـ
تمهيد
استمرتْ خِلَافَةُ أبي بَكْرٍ سنتين وثلاثةِ أشهرٍ، ثُمَّ تُوفِّيَ أبو بَكْرٍ.
وقد رأىٰ أبو بَكْرٍ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ هو أصلحُ النَّاسِ لتولِّي هذا الأمرِ، فاختاره مِن بعدِهِ، وبايعه المسلمون بعدَ ذلك، وإِنَّما صَارَ عُمَرُ خَلِيفَةً بِمُبايَعَةِ النَّاسِ لَهُ لا بِاخْتِيارِ أبِي بَكْرٍ، فصارَ خليفةَ خليفةِ رسولِ اللهِ، وكانت مدّةُ خلافتهِ عشرَ سنين.
وتُعَدُّ خلافةُ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه مِن أجملِ السنوات في عُمرِ الإسلامِ بعدَ حياةِ رَسُولِ الله، وبعد حياةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
تولّىٰ عُمَرُ الخِلَافَةَ في بدايةِ القتالِ العنيفِ في الشَّامِ، حيث تجمّعَ المُسْلِمون في اليَرْمُوك أمامَ جُموعِ الرومِ الهائلةِ، وانتصرَ المُسْلِمون في هذه المعركةِ انتصاراً مُؤَزَّراً، وفُتحتْ دِمَشْقُ، وحِمْصُ، وقنسرينُ، وأجنادينُ، ثُمَّ كانَ الفتحُ العظيمُ وهو فتحُ بَيْتِ المقدسِ.
وصارَ المُسْلِمون يجولون في أرضِ الرومِ كما يحلو لهم، ثُمَّ بعدَ ذلك اتَّجهَ عَمْرُو بنُ العَاصِ رضي الله عنه إلىٰ مِصْرَ وفتحَها، واتجهَ سَعدُ بنُ أبي وقاصٍرضي الله عنه إلىٰ الشَّرقِ حيثُ بلادُ فارسٍ، فأوطأَ الخيلَ ديارَهم وكبّدَهم خسائرَ عظيمةً.
ثُمَّ كانت معركةُ القادسيةِ العظيمةُ بقيادةِ سَعدِ بنِ أبي وقاصٍ، وكانت مِنَ المعاركِ الفاصلةِ، ثُمَّ فُتْحتْ خراسانُ، وكانت الفتوحاتُ كثيرةً جدّاً في عَهدِ عُمَرَ.
وكانَ عُمَرُ يراقبُ الولاةَ مراقبةً شديدةً، وكانَ يَسألُ النَّاسَ عنهم، ويَستطلعُ أخبارَهم، وكانَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمةَ رَسُولُ عُمَرَ يَستطلعُ أحوالَ الولاةِ.
ومن سياساتهِ أنه كان يعسُّ([1]) بالليلِ، ويَحرصُ علىٰ أَمنِ المدينةِ حرصاً شَديداً، ولَـمْ يكنْ يسمحُ لكبارِ الصَّحَابَةِ بالخروجِ مِنَ المدينة ليستشيرَهم في أُمورهِ([2]).
وأظهرَ العدلَ حتّىٰ قالَ فيه رَسُولُ كسرَىٰ ــــ لما رآهُ نائمًـا تحتَ شَجرةٍ وهو أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ــ: حكمتَ، فعدلتَ، فأمنتَ، فنمتَ.
عن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ قالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ؛ قالَ [عُمَرُ]: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ في الْفِتْنَةِ؟ قالَ [حُذَيْفَةُ]: فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ. قالَ [عُمَرُ]: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنِ التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟ قالَ [حُذَيْفَةُ]: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَاباً مُغْلَقاً. قالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قالَ [حُذَيْفَةُ]: بَلْ يُكْسَرُ. قالَ عُمَرُ: إِذاً لَا يُغْلَقُ أَبَداً. قُلْتُ [أيْ حُذَيْفَةُ]: أَجَلْ. قالوا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثاً لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقاً فَسَأَلَهُ، فقالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قالَ: عُمَرُ([3]).
فهذا البابُ هو عُمَرُ نفسُه، وكَسْرُ البابِ هو قَتلُهُ رضي الله عنه لما قتلَهُ أبو لؤلؤة المجوسيُّ قبَّحَهُ اللهُ تباركَ وتعالىٰ.
([1]) أي: يطوفُ بها يحرسُ الناسَ ويكشفُ أهلَ الرِّيبةِ. اللسان (ع.س.س).