إنفاقه في سبيل  الله:

  قالَ  سبحانه وتعالى في كِتابِهِ العَزيزِ: ﴿.. لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ ٱلَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَى... ١٠﴾ [الحديد: ١٠]، وأبو بكرٍ الصِّدِّيق كان مِمَّنْ أَنْفَقَ منْ قَبْلِ الفَتْحِ، بلْ لَمْ ينتَفِعْ النَّبيُّ  ﷺ بإنفاقِ أَحَدٍ منَ الصَّحابةِ كما انْتَفَعَ بإنفاقِ أبي  بكرٍ.

  فَعَنْ أَبي الدَّرْداءِ  رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ  ﷺ قالَ عَنْ أَبي بَكْرٍ: «وَواساني بِنَفْسِهِ وَمالِهِ»([1]).

  وقال «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي  بكْرِ»([2]).

  وعن زيدِ  بنِ أَسْلَم عن أبيهِ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ  بنَ الخطابِ يقول: أَمرَنا رسولُ  الله  ﷺ أن نَتَصَدَّقَ فوافقَ ذلك مالاً فقلت: اليومَ أَسْبِقُ أبا بكرٍ إِنْ سَبَقْتُه يوماً، قالَ: فجئتُ بِنْصِفِ مالي، فقالَ رسولُ  الله: «ما أَبْقَيتَ لأَهْلِكَ؟». قُلت: مِثْلَه، وأتىٰ أبو بكرٍ بِكُل ما عنده، فقالَ: «يا أبا بكر ما أَبقْيَتَ لأهلك؟». قالَ: أَبقيتُ لهم  اللهَ ورسولَه. قلت: والله لا  أَسْبِقُه إِلىٰ شيءٍ أبداً([3]).

  وعن هشام  بن عروة، عن أبيه قالَ: أعَتْقَ أبو بكرِ سَبْعة كُلهم يُعَذَّبُ في  الله: بلالاً، وعامِرَ  بنَ فُهيرةَ، وزِنّيرةَ، وَجارِيَةَ بني المُؤَمَّلِ، والنَّهديةَ، وابنتَها، وأُمَّ عُبَيسٍ([4]).

  ولقد اشترىٰ أبو بكرٍ بلالاً وهو مَدْفونٌ في الحِجارةِ بخمسِ أَواقٍ ذهباً، فقالَوا: لَو أَبَيْتَ إِلَّا أوقيةً لَبِعْناكَه، قالَ أبو بكر: لو أَبَيتْمُ إِلَّا مِئَةَ أُوقيةً لأخَذْتُه([5])، فَهْم يُقَللُون مِن قيمَتِه وأبو بكر يَرْفَعُ قِيْمتَه.

 

([1])    أخرجه البخاري (٣٦٦١).

([2])   أخرجه البخاري (٤٦٧)، من حديث ابن عباس  .

([3])   أخرجه أبو داود (١٦٨٠)، والترمذي (٣٦٧٥)، وقالَ: «هذا حديث حسن صحيح».

([4])   «أسد الغابة» لابن الأثير (١/١٤٥٠).

([5])   «حلية الأولياء» (١/١٥٠)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١/٣٥٣)، وقالَ: «إسناده قوي».