فَضائِل ابو بكر
19-03-2023
من فَضائِلهِ رضي الله عنه:
قال أبو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ في سَبِيلِ الله دُعِيَ مِنْ أَبْوَاب ــــ يَعْنِي: الْجَنَّةَ ــــ: يَا عَبْدَ الله! هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ».
فقالَ أبو بَكْرٍ: مَا علىٰ هَذَا الذي يُدْعَىٰ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقالَ: هَلْ يُدْعَىٰ مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ الله؟
قالَ: «نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أبا بَكْرٍ»([1]).
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَعَدَ أُحُداً، وأبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وَعُثْمَـانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فقالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»([2]).
وعن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ علىٰ جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قالَ: «عَائِشَةُ». فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟
فقالَ: «أَبُوهَا». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
قالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ». فَعَدَّ رِجَالاً([3]).
وفيه نَزَل قَوله تعالىٰ:
﴿وسيجنبها الاتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لاحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى ٢١﴾
[الليل: ١٧ ـــ ٢١].
قال ابنُ كَثيرٍ رحمه الله: «وقَد ذَكرَ غَيرُ واحِدٍ مِنَ المُفَسِّرينَ أَنَّ هَذِهِ الآياتِ نَزَلَت في أَبي بَكرٍ الصِّدّيقِ رضي الله عنه، حَتَّىٰ إِنَّ بَعضَهُم حَكَىٰ الإِجماعَ مِنَ المُفَسِّرينَ علىٰ ذلك، ولا شَكَّ أنه داخِلٌ فيها، وأولَىٰ الأُمَّةِ بِعُمومِها، فإنَّ لَفظَها لَفظُ العُمومِ، وهو قَولُهُ تَعالَىٰ: ﴿ الذي يؤتي ماله يتزكى وما لاحد عنده من نعمة تجزى ﴾، ولَكِنَّهُ مُقَدَّمُ الأُمَّةِ وسابِقُهُم في جَميعِ هذه الأَوصافِ وسائرِ الأَوصافِ الحَميدَةِ؛ فإنه كانَ صِدّيقاً تَقيًّا كريماً جَواداً بَذّالاً لِأَموالِهِ في طاعَةِ مَولاهُ، ونُصرَةِ رَسولِ الله، فَكَم مِن دَراهِمَ ودَنانيرَ بَذَلَها ابتِغاءَ وجهِ رَبِّهِ الكَريمِ.
ولَم يَكُن لِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ عندَهُ مِنةٌ يَحتاجُ إِلَىٰ أَن يُكافئهُ بها، ولكن كانَ فَضلُهُ وإحسانُهُ علىٰ السّاداتِ والرُّؤَساءِ مِن سائِرِ القَبائِلِ؛ ولهذا قال لَهُ عُروةُ بنُ مَسعودٍ ــــ وهو سَيِّدُ ثَقيفٍ ــــ يَومَ صُلحِ الحُدَيبيةِ: أَما والله لَولا يَدٌ لَكَ كانَت عندي لَم أَجزِكَ بِها لأجَبتُكَ. وكانَ الصِّدّيقُ قَد أَغلَظَ لَهُ في المَقالةِ، فإذا كانَ هَذا حالُهُ مَعَ ساداتِ العَرَبِ ورُؤَساءِ القَبائِلِ، فَكَيفَ بِمَن عَداهُم؟ ولِهَذا قال: ﴿ وما لاحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى ٢١﴾ [الليل: ١٩ ــــ ٢١]»([4]).
([1]) أخرجه البُخَارِيّ (٣٦٦٦)، ومسلم (١٠٢٧).
([2]) أخرجه البُخَارِيّ (٣٦٧٥)، ومسلم (٢٤١٧).