ينقسم الغسل إلىٰ قسمين:

القسم الأول: غسل واجب، وهو ما يكون بعد الجماع، سواء أنزل أم لم ينزل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها؛ فقد وجب الغسل». وزاد الإمام مسلم: «وإن لم ينزل»([1]).

والمرأة والرجل في ذلك سواء، فبمجرد الجماع يلزم الغسل.

وكذلك إنزال المني، سواء نزل عن طريق الجماع، أو عن طريق الاحتلام، أو نزل عن طريق الاستمناء، بأيِّ صورة خرج فيها المني فإنه يجب الغسل؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال: «إنما الماء من الماء»([2]).

وهنا لا بد من التنبيه علىٰ أمر مهم، وهو إذا وجد النائم المني في ثوبه بعد استيقاظه، ولكنه لا يذكر أنه احتلم، لعله يذكر وهو نائم مثلاً أنه في عراك، أو لعب، أو أنه حضر درس علم، ولكن لا يذكر أبداً أنه جامع، فوجد المني، فنقول: يجب عليك أن تغتسل؛ لقول النبي ﷺ: «الماء من الماء».

والعكس صحيح، فلو تذكر الرجل أو المرأة في المنام جماعاً، وتذكر أنه أنزل في منامه، ولكن لما استيقظ لم يجد شيئاً في ثوبه؛ فإنه لا يجب عليه الغُسل؛ لقول النبي ﷺ: «الماء من الماء»، وهذه المسألة مُجْمعٌ عليها كما ذكر ذلك الإمام ابن عبد البر رحمه لله([3]).

وقد سألتْ أمُّ سُليم ــ زوجةُ أبي طلحة ــ رسولَ الله ﷺ فقالت: إن الله لا يستحيي من الحق، فهل علىٰ المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: «نعم، إذا رأتِ الماء»([4]).

ومن الأغسال الواجبة: غسلُ الجمعة، علىٰ خلاف بين أهل العلم، فبعض أهل العلم يرىٰ أن غسل الجمعة واجب؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال: «غسل يوم الجمعة واجب علىٰ كل محتلم»([5]).

وذهب آخرون إلىٰ أنه مستحب؛ لقول النبي ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتىٰ الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام»([6]).

والأحوط أن لا يترك غسل الجمعة، وهذا بالنسبة لمن يحضر الجمعة، وأما من لا يحضر الجمعة كالنساء والمعذورين؛ فإنه لا يجب عليهم الغسل.

القسم الثاني: غسل مستحب، ويكون في مواضع:

1 ــــ غسل الميت؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل([7]).

ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من غسل ميتاً ليغتسل»([8]).

2 ــــ للعيدين وليوم عرفة، وقد سئل علي رضي الله عنه عن الاغتسال، فقال: «يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر»([9]).

3 ــــ الإغماء، وذلك لما روتْ عائشةُ رضي الله عنها؛ أن النبي ﷺ لما كان في مرض الموت أغمي عليه لما أراد أن يقوم إلىٰ الصلاة، فلما أفاق ﷺ قال: «أصَلَّىٰ الناس؟». قالوا: هم في انتظارك يا رسول الله. فقال: «قربوا إلي الماء». فاغتسل ثم قام ليخرج، فسقط مغمياً عليه ﷺ، فلما أفاق قال: «أصلىٰ الناس؟». قالوا: هم في انتظارك يا رسول الله. فقال: «قربوا الماء». فاغتسل مرةً ثانية، فلما أراد أن يقوم أُغْمِي عليه مرةً ثانية ﷺ، فلما أفاق، قال: «أصلىٰ الناس؟». قالوا: هم في انتظارك يا رسول الله. فقال: «مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس»([10]).

وهذا يبيِّن لنا حرصَ النبي ﷺ علىٰ صلاة الجماعة، وأن الناس كانوا ينتظرونه ﷺ.

4 ــــ للإحرام للحج أو العمرة، وقد ثبت عن النبي ﷺ؛ أنه اغتسل لإحرامه([11]).

قال النووي رحمه لله: «اتفق العلماء علىٰ أنه يستحب الغسل عند إرادة الإحرام بحج أو عمرة»([12]).

5 ــــ لدخول مكة، وثبت أن النبي ﷺ اغتسل قبل دخول مكة، وذلك في مكان يقال له: ذي طوىٰ([13]).

 

([1])    أخرجه البخاري (287)، ومسلم (348).

([2])   أخرجه مسلم (343).

([3])   «التمهيد» (23/108).

([4])   أخرجه البخاري (278)، ومسلم (313).

([5])   أخرجه البخاري (839)، ومسلم (846).

([6])   أخرجه مسلم (857).

([7])   أخرجه البيهقي في «السنن الكبرىٰ» (1/306).

([8])   أخرجه أحمد (7770، 7771)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، والصحيح أنه موقوف.

([9])   أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5002).

([10]) أخرجه البخاري (655)، ومسلم (418).

([11]) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (5/135)، والدارقطني في «السنن» (2434).

([12]) «المجموع» (7/212).

([13]) أخرجه البخاري (1478)، ومسلم (1259).