يبتدأ المسلم وضوءه بالتسمية، فيقول: «بسم الله»، وذلك لحديث أنس رضي الله عنه قال: طلب بعض أصحاب النبي ﷺ وضوءً، فقال النبي ﷺ: «هل مع أحدكم ماء؟». فوضع يده بالماء، فقال: «توضؤوا بسم الله»([1]).

ثم يغسل كفيه مرة، وإن زاد أخرىٰ فهو أفضل، والكمال ثلاث مرات، وغسل الكفين مستحب، وليس بواجب ما لم يكن مستيقظاً من نوم ليل، فإن غسل الكفين يكون واجباً؛ لحديث أبي هريرة؛ أن النبي ﷺ قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه؛ فلا يغمس يده في الإناء حتىٰ يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يدُه»([2]).

ثم يتمضمض، وهو إدارة الماء في الفم، ويستنشق، وهو إدخال الماء في الأنف، ثم يستنثر، وهو إخراج الماء من الأنف. ويتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثاً من الكف التي يأخذ منها الماء، وذلك أنه ثبت عن النبي ﷺ؛ أنه كان يتمضمض ويستنثر من كف واحدة([3]).

وإن تمضمض من كف واستنشق من كف أخرىٰ جاز، والسُّنَّة المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، ولو توضأ مرةً مرةً لأجزأه ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ كان يتوضأ مرةً مرةً([4]).

ويجوز أن يتوضأ مرتين([5])، والسُّنَّة أن يتوضأ ثلاث مرات لكل عضوٍ ما عدا الرأس.

ثم يغسل وجهه، وحدُّ الوجه طولاً من منبتِ الشعر إلىٰ أسفل الذقن، والذي لا شعر له كالأصلع وغيره؛ فمن منبت الشعر المعتاد؛ لأن العبرة فيمن له شعر من عموم الناس، وعرضاً من شحمة الأذن إلىٰ شحمة الأذن الأخرىٰ، يغسله كذلك غسلةً واحدةً يشمل بها جميع الوجه، وإن زاد ثانية وثالثة فهذا أفضل.

ويسن له أن يخلل لحيته، خاصةً إذا كانت كثيفة، وذلك بأن يدخل الماء من تحت الحنك؛ لما رواه عثمان: أن النبي ﷺ كان يخلل لحيته([6]).

ثم يغسل يديه من أطراف الأصابع إلىٰ منتهىٰ المرفق، وهذه نقطة يغفل عنها كثير من الناس، وذلك أن البعض يظن أنه إذا غسل كفيه في البداية ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه؛ فإنه يكفيه بعد ذلك أن يغسل يده من الرسغ إلىٰ المرفق ولا يعيد غسل الكفين، وهذا خطأ جسيم يفسد معه الوضوء، وبالتالي تفسد الصلاة، إذ أن غسل الكفين في البداية مستحب، وليس بواجب ولا ركن.

أما غسل الكفين مع ساعديه ومرفقيه بعد الوجه فهذا ركن، فلا بد أن تُغسل اليدُ كاملةً بعد الوجه.

ثم يمسح رأسه، وصفته المستحبة هي ما رواها عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ مسح رأسه، فبدأ بمقدم رأسه حتىٰ ذهب بيديه إلىٰ قفاه، ثم ردهما ــ أي: اليدين ــ إلىٰ المكان الذي بدأ منه([7]).

ويمسح بإبهاميه ظاهرَ أذنيه، وإذا مسح رأسه فإنه يجب عليه أن يمسح الرأس كله، وذهب بعض أهل العلم إلىٰ أنه يكفي مسح بعض الرأس([8])، والصحيح ــ والعلم عند الله ــ أنه لا بد من مسح الرأس كله، وهذا أحوط.

ثم يغسل رجليه إلىٰ الكعبين، والكعبان هما العظمان البارزان من جانب القدم، وهو التقاء عظم الساق بعظم القدم، فيبدأ برجله اليمنىٰ ثم اليسرىٰ، ولا بأس أن يغسل شيئاً من الساق، ولا بد أن يُتنَبَّه إلىٰ غسل العقبين، وهو ما كان في ظهر القدم، وذلك أن كثيراً من الناس يتساهلون في هذا، فلا يصل إليه الماء، وقد حذر النبي ﷺ من هذا الفعل فقال: «ويلٌ للأعقاب من النار»([9]).

والسُّنَّة أن يخلل الأصابع، سواء اليدين أو الرجلين؛ لقول النبي ﷺ للقيط بن صبُرة رضي الله عنه: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع»([10]).

وعن عثمان رضي الله عنه؛ أنه دعىٰ بوضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ويديه إلىٰ المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله إلىٰ الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرىٰ مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلىٰ ركعتين([11]).

ولو غسل العبد بعض الأعضاء ثلاث مرات وبعضها مرتين؛ فإنه لا بأس بذلك.

2 ــ أركان الوضوء

وهذه الأركان لا يصح الوضوء إلا بها، وهي ستة:

1 ــــ غسل الوجه.

2 ــــ غسل اليدين إلىٰ المرفقين.

3 ــــ مسح الرأس.

4 ــــ غسل القدمين إلىٰ الكعبين.

5 ــــ الترتيب علىٰ ما جاء في الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَاةِ فَٱغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، مع خلاف في ذلك، فبعض أهل العلم لا يرىٰ ركنية الترتيب، بل يراه سنة.

6 ــــ الموالاة، وهو أن يَصِلَ غسل العضو الأول بغسل العضو الثاني بحيث لا يترك فترة زمنية بين عضوٍ وعضو، فإن كانت هذه الفترة قصيرة فلا يضر، وأما إن كانت طويلة فإنه يبطل الوضوء، كمن غسل وجهه ويديه ثم جلس ليقرأ كتاباً، أو ليأكل طعاماً، فهذا لا يجوز له أن يكمل هذا الوضوء؛ لأنه فسد بهذا القطع الطويل، ويجب عليه أن يعيد الوضوء.

وأما إذا كان القطع يسيراً كأن خرج من مكان الوضوء وفتح الباب، ثم رجع وأكمل مباشرة، فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالىٰ.

3 ــ سنن الوضوء

وتنقسم سنن الوضوء إلىٰ ثلاثة أقسام:

القسم الأول: سنن قبلية، ومنها: السواك؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله ﷺ قال: «لولا أن أشق علىٰ أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء»([12]).

ومنها: أن يتوضأ المسلم بالمد، وهو ما يملأ الكفين؛ لما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يغتسل بالصاع إلىٰ خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد([13]).

القسم الثاني: في أثنائه، منها: غسل الكفين في بداية الوضوء، والتثليث وهو الزيادة عن المرة الواحدة، والبدء باليمين قبل الشمال، فلو توضأ الإنسان فغسل يده الشمال قبل اليمين أو رجله الشمال قبل اليمين جاز ذلك، إذ إن التيامن سُنَّةٌ مستحبةٌ وليس بواجب.

ويسن كذلك المبالغة في الاستنشاق؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: «وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً»([14])، أما أصل المضمضة والاستنشاق؛ فذهب بعض أهل العلم إلىٰ أنهما سُنَّة، وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد، وذهب آخرون إلىٰ أنهما ركن؛ لأنهما من الوجه كما هو المشهور عند الحنابلة([15]).

والصحيح أن المضمضة والاستنشاق مستحبان، ولا يفسد الوضوء بتركهما، والعلم عند الله.

القسم الثالث: سنن بعدية، فيسن للمسلم بعد أن يفرغ من وضوئه أن يقول ما رواه عمر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ــ أو فيسبغ ــ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إلـٰـه إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء»([16]).

وزاد الترمذي: «اللَّهُمَّ اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين»([17]).

ومن السُّنَّة أن يصلي ركعتين بعد كل وضوء؛ لحديث عثمان السابق.

ومن السُّنَّة أيضاً تجديد الوضوء لكل صلاة؛ لحديث أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ كان يتوضأ عند كل صلاة([18]).

 

([1])    أخرجه أحمد (12694)، والنسائي (78)، وفيه ضعف يسير.

([2])   أخرجه البخاري (160)، ومسلم (278).

([3])   أخرجه البخاري (188)، ومسلم (235)، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

([4])   أخرجه البخاري (156).

([5])   أخرجه البخاري (157).

([6])   أخرجه الترمذي (31)، وفيه ضعف.

([7])   أخرجه البخاري (183)، ومسلم (235).

([8])   وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.

([9])   أخرجه البخاري (60)، ومسلم (241)، من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما.

([10]) أخرجه أحمد (16383)، وأبو داود (2366)، والترمذي (788)، وابن ماجه (407).

([11]) أخرجه البخاري (162)، ومسلم (226).

([12]) أخرجه أحمد (607)، والبخاري تعليقاً في كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم.

([13]) أخرجه البخاري (198)، ومسلم (326).

([14]) تقدم تخريجه ص23.

([15]) انظر تفصيل المسألة في: «بداية المجتهد» لابن رشد (1/40)، «المجموع» للنووي (1/362)، «المغني» لابن قدامة (1/132).

([16]) أخرجه مسلم (234).

([17]) «جامع الترمذي» (55)، وفيه ضعف.

([18]) أخرجه البخاري (214).