ألم يكتمل الدين
07-03-2023
أخي أُخَيَّتي:
قطعاً قرأتم قوله تعالى: ﴿ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَامَ﴾ [المَائدة: 3].
فإذا كان الدين قد كمل، فما الضرورة التي تحتم وجود أوصياء بعد النبي ﷺ؟
ترى هل هم يبلغون الدين الكامل؟ فإن كانوا كذلك؛ فإن هذه المهمة لا تحتاج إلى معصوم بل تحتاج إلى صادق أمين. وفكروا معي لو كان الأمر يحتاج إلى معصوم في تبليغ الدين، فكم معصوم نحتاج؟
وهل لم يبلغ الدين زمن النبي ﷺ أحد غير علي؟ هل يعقل هذا؟ كيف بالله عليكم يستقيم هذا ورسول الله ﷺ مرسل إلى الناس كافة؟!
وإذا كان الدين لم يكتمل، وهذا هو الظاهر من الروايات التي في كتب الشيعة الاثني عشرية المعتمدة، وهو أيضاً الظاهر من كلام علمائهم، فهذه طامة كبرى بل كفر، وتكذيب للقرآن. وهاكم بعض ذلك:
1 ــ يقول أحد علمائكم المعاصرين، وهو: محمد حسين آل كاشف الغطاء (ت1376هـ): «إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام، وكتمان جملة، ولكنه ــ سلام الله عليه([1]) ــ أودعها عند أوصيائه: كل وصي يعهد به إلى الآخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة من عام مخصص، أو مطلق مقيد، أو مجمل مبين، إلى أمثال ذلك. فقد يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاماً، ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته»([2]).
وهذا يعني أن النص النبوي، والتشريع الإلـٰهي مستمر، ولم ينقطع بوفاة الرسول ﷺ، بل مستمر.
2 ــ وقد عقد الكليني في «أصول الكافي» باباً في تفويض الأمر إلى رسول الله ﷺ، وإلى الأئمة في أمر الدين([3]).
فالأئمة قد فُوِّضوا في أمر هذا الدين، كما فُوَّضَ رسول الله ﷺ، فلهم حق التشريع. ومما يروى عن الأئمة: «إن الله سبحانه وتعالى.. فوض إلى نبيه ﷺ فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنْتَهُوا﴾ [الحَشر: 7].
فما فُوِّض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فَوَّضَه إلينا»([4]).
ويروون عن أبي عبد الله: «لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمة. قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ﴾ [النِّسَاء: 105]، وهي جارية في الأوصياء»([5]).
3 ــ ويقول بحر العلوم ــ وهو معاصر أيضاً ــ: «لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول في تفصيلاتها، احتاجوا إلى سُنَّة النبي ﷺ والسُّنَّة لم يكمل بها التشريع! لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده ﷺ، احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه في أوقاتها»([6]).
وذهب إلى مثل ذلك آيتهم العظمى شهاب الدين النجفي فقال: «إن النبي ﷺ ضاقت عليه الفرصة، ولم يسعه المجال لتعليم جميع أحكام الدين... وقد قدّم الاشتغال بالحروب على التمحص([7]) ببيان تفاصيل الأحكام.. لا سيما مع عدم كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون»([8]).
4 ــ وقال الخميني: «لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمداً خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية.. لم ينجح في ذلك، وإن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر»([9]) ويقول: «واضح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لَمَا نَشَبَتْ في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولَما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه»([10]). وقال أيضاً: «وبالإمامة يكتمل الدين والتبليغ يتم»([11]).
ومما يكذب هذه الأساطير، ويبرئ ساحة آل البيت أنهم رووا ما يهدم هذا الهذيان، فقد جاء في «تفسير الصافي»: «أنه عليه السلام سئل: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من الوحي سوى القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى العبد فهماً في كتابه»([12]).
فهل ترضون أن تنتسبوا إلى مذهبٍ يقول: إن الدين لم يكتمل زمن النبي ﷺ؟!.
([1]) يعني: النبي ﷺ يودعه أحد الأوصياء الاثني عشر.
([8]) في تعليقه على «إحقاق الحق» (2/288 ــ 289).
([9]) من خطاب ألقاه الخميني بمناسبة ذكرى مولد المهدي في 15 شعبان 1400هـ، [وانظر: كتاب نهج خميني (ص6)].