مراجعة الشيعي عبدالحسين 102
29-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [102]
11 ربيع الثاني سنة 1330
الناس كافة يعلمون أن الإمام وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم، لم يشهدوا البيعة، ولا دخلوا السقيفة يومئذ وكانوا في معزل عنها وعن كل ما كان فيها، منصرفين بكلهم إلىٰ خطبهم الفادح بوفاة رسول الله، وقيامهم بالواجب من تجهيزه صلى الله عليه وآله وسلم، لا يعنون بغير ذلك، وما واروه في ضراحه الأقدس حتىٰ أكمل أهل السقيفة أمرهم فأبرموا البيعة، وأحكموا العقد، وأجمعوا ــ أخذا بالحزم ــ علىٰ منع كل قول أو فعل يوهن بيعتهم، أو يخدش عقدهم، أو يدخل التشويش والاضطراب علىٰ عامتهم، فأين كان الإمام عن السقيفة وعن بيعة الصديق ومبايعيه ليحتج عليهم؟ وأنىٰ يتسنىٰ الاحتجاج له أو لغيره بعد عقد البيعة وقد أخذ أولو الأمر والنهي بالحزم، وأعلن أولو الحول والطول تلك الشدة، وهل يتسنىٰ في عصرنا الحاضر لأحد أن يقابل أهل السلطة بما يرفع سلطتهم، ويلغي دولتهم؟ وهل يتركونه وشأنه لو أراد ذلك؟ هيهات هيهات، فقس الماضي علىٰ الحاضر، فالناس ناس والزمان زمان.
علىٰ أن علياً لم ير للاحتجاج عليهم يومئذ أثرا إلا الفتنة التي كان يؤثر ضياع حقه علىٰ حصولها في تلك الظروف، إذ كان يخشىٰ منها علىٰ بيضة الإسلام وكلمة التوحيد، كما أوضحناه سابقا حيث قلنا: إنه مني في تلك الأيام بما لم يمن به أحد إذ مثل علىٰ جناحيه خطبان فادحان، الخلافة بنصوصها ووصاياها إلىٰ جانب تستصرخه وتستفزه بشكوىٰ تدمي الفؤاد، وحنين يفتت الأكباد، والفتن الطاغية إلىٰ جانب آخر تنذره بانتقاض شبه الجزيرة، وانقلاب العرب، واجتياح الإسلام، وتهدده بالمنافقين من أهل المدينة، وقد مردوا علىٰ النفاق، وبمن حولهم من الأعراب، وهم منافقون بنص الكتاب، بل هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله علىٰ رسوله، وقد قويت شوكتهم بفقده صلى الله عليه وآله وسلم.
وأصبح المسلمون بعده كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، بين ذئاب عادية، ووحوش ضارية، ومسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفاك، وسجاح بنت الحرث الدجالة، وأصحابهم الرعاع الهمج، قائمون ــ في محق الإسلام وسحق المسلمين ــ علىٰ ساق، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم، كانوا للمسلمين بالمرصاد إلىٰ كثير من هذه العناصر الجياشة بكل حنق من محمد وآله وأصحابه، وبكل حقد وحسيكة لكلمة الإسلام تريد أن تنقض أساسها وتستأصل شأفتها، وأنها لنشيطة في ذلك مسرعة متعجلة، ترىٰ الأمر قد استتب لها، والفرصة ــ بذهاب النبي إلىٰ الرفيق الأعلىٰ ــ قد حانت، فأرادت أن تسخر الفرصة، وتنتهز تلك الفوضىٰ قبل أن يعود الإسلام إلىٰ قوة وانتظام، فوقف علي بين هذين الخطرين، فكان من الطبيعي له أن يقدم حقه قربانا لحياة المسلمين، لكنه أراد الاحتفاظ بحقه في الخلافة، والاحتجاج علىٰ من عدل عنه بها علىٰ وجه لا تشق بهما للمسلمين عصا، ولا تقع بينهم فتنة ينتهزها عدوهم، فقعد في بيته حتىٰ أخرجوه كرها بدون قتال، ولو أسرع إليهم ما تمت له حجة، ولا سطع لشيعته برهان.
لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه من خلافة المسلمين، وحين رأىٰ أن حفظ الإسلام، ورد عادية أعدائه موقوفان في تلك الأيام علىٰ الموادعة والمسالمة، شق بنفسه طريق الموادعة، وآثر مسالمة القائمين في الأمر احتفاظا بالأمة، واحتياطا علىٰ الملة، وضنا بالدين، وإيثارا للآجلة علىٰ العاجلة، وقياما بالواجب شرعا وعقلا من تقديم الأهم ــ في مقام التعارض ــ علىٰ المهم، فالظروف يومئذ لا تسع مقاومة بسيف، ولا مقارعة بحجة، ومع ذلك فإنه وبنيه، والعلماء من مواليه، كانوا يستعملون الحكمة في ذكر الوصية، ونشر النصوص الجلية، كما لا يخفىٰ علىٰ المتتبعين، والسلام. «ش».