نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [78]

خصّص عبدالحسين هـٰذه المراجعة للطّعن علىٰ أمّ المؤمنين عائشة، وما أظنّه يعتبرها أمّاً له، وهو يحاول هنا أن يطعن عليها بما ذكر، فماهـٰكذا يكون برّ الأمّ!!!

ومجمل ما طعن به عليها يمكن حصره فيما يأتي:

  1. ما نزل بشأنها في سورة التّحريم.
  2. أنّ النبي أشار إلىٰ بيتها وقال: «ها هنا الفتنة».
  3. عدم احترامها للنّبي .
  4. تأليب الثّوار علىٰ عثمان.
  5. خروجها علىٰ علي.
  6. اتّهامها بالكذب علىٰ رسول الله فيما روته من فضائلها.

أمّاهـٰذه الطّعون ففيما يأتي الرّدّ عليها بالتّفصيل؛ دفاعاً بالحقّ المبين عن أمّي أمّ المؤمنين، التي أتشرّف بأن تكون لي أمّاً رضي الله عنها وأرضاها، وكذا كلّ مسلمٍ مستبصرٍ بنور الإيمان، ومصدّقٍ بما قاله في حقّها الله تعالىٰ: ﴿ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَى بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾  [الأحزاب: 6].

وقبل الرّدّ علىٰ هذه الطّعون وردّها؛ أحبّ أن أقدّم بمقدمة مختصرةٍ أذكر فيها فضل أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها الثابت الصحيح عندنا، فأقول:

هي الصّدّيقة بنت الصّدّيق، الحًصانُ الرًّزان، حبيبة الحبيب ، وإلفه القريب، الطّيبة زوج الطّيب ، المبرّأة من فوق سبع سماواتٍ، لم يتزوج رسول الله  بكراً غيرها، وما نزل الوحي عليه في لحاف امرأةٍ سواها، ولم يكن من أزواجه من هي أحبّ إليه منها، وهي أعلم امرأةٍ في الوجود بشرع الله تبارك وتعالىٰ، روت عن النبي  أكثر من ألفي حديثٍ، حبّها قربةٌ، وبغضها ضلالٌ، وسبّها فجورٌ، وقذفها كفرٌ؛ أجمع العلماء علىٰ كفر قاذفها بعد أن برّأها الله في كتابه الحكيم، من رضيها أمّاً له فهو مؤمنٌ، ومن لم يرضها فليس بمؤمنٍ.

والآن؛ إلىٰ الرّدّ علىٰ ما ذكر من طعونٍ في حقّها:

[1] ما نزل بشأنها في سورة التّحريم:

فليعلم ــ أولاً ــ أنّنا لا ندّعي العصمة لأحدٍ من أصحاب رسول الله ، ولا أزواجه، بل نقول: إنّهم بشرٌ يصيبون ويخطؤون، وإنما العصمة للنبي  خاصّةً.

ثانياً: أمّا ما وقع منها بحقّ ضرائرها؛ فهو من الغيرة التي جبل الله عليها النّساء، فكان من ذٰلك أن اتّفقت مع أمّ المؤمنين حفصة ــ بعدما علمتا أنّ النبي  يأكل عسلاً عند أمّ المؤمنين زينب ــ فاتفقتا علىٰ أن تثنياه عن ذٰلك، تقول عائشة رضي الله عنها: إنّ النبي  كان يمكث عند زينب ابنة جحشٍ، ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أنّ أيتنا دخل عليها النبي  فلتقل: إنّي أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير([1])؟ فدخل علىٰ إحداهما، فقالت له ذٰلك. فقال : «لا، بل شربت عسلاً عند زينب ابنة جحشٍ، ولن أعود له»([2]).

وفي رواية([3]): قال : «وقد حلفت، لا تخبري بذٰلك أحداً». فنزلت: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾  [التحريم: 1-4].

فأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم تصب في هـٰذا الفعل، ولكنها لم تَكْفر ولم تأتِ بكبيرةٍ، ثمّ إنّ غيرتها هي التي دفعتها لذٰلك، ومن إنصافها ودينها أنها هي التي روت هـٰذا الحديث، وذكرت ما وقع منها علىٰ وجه التّفصيل كما مرّ. ولو شاءت لكتمت، وكان لها أن تستر علىٰ نفسها، ولكنها أدّت الأمانة في التّبليغ عن رسول الله  ــ حتىٰ ولو كان ذلك يخصّها ــ، وبينت سبب نزول هـٰذه الآيات التي نزلت ولم تعين أحداً بعينه منهنّ.

أمّا دعواه: أنّ الله ضرب امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ مثلاً لهما؛ فهـٰذا كلامٌ ساقطٌ لم يقل به أحدٌ من أهل العلم فيما أعلم، وهل يعني بهـٰذا أنها صارت كافرةً بقولها للنّبي : «أكلت مغافير» ــ كما يقوله ويعتقده بعض علمائهم ــ؟

[2] دعوىٰ إشارة النبي  إلىٰ بيتها وقوله: «ها هنا الفتنة»:

فنردّ عليه من أوجهٍ:

أولاً: بيت عائشة هو بيت النبي ، فهل يعني النبي  أن بيته تكون منه الفتنة؟!

ثانياً: إن صحّ هـٰذا؛ فلم لم يطلّق النبي  عائشة إن كانت ستكون مصدراً للفتنة، والفتنة أكبر من القتل، أيراه يسكت عن هـٰذا المنكر في زعمه؟!

ثالثاً: لم تكن الإشارة إلىٰ بيت عائشة، وإنما كانت الإشارة إلىٰ جهة المشرق، وكان بيت عائشة يقع علىٰ هـٰذه الجهة، فأراد الراوي أن يصف الجهة لا البيت ذاته، ومع ذٰلك فقد جاء في بعض روايات هـٰذا الحديث ما يبين أنّ المراد جهة المشرق لا بيت عائشة، وهي:

  1. عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّ النبي قال: «من ها هنا جاءت الفتن نحو المشرق»([4])، وليس فيه ذكر بيت عائشة.
  2. عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله يشير إلىٰ المشرق فقال: «ها إنّ الفتنة ها هنا، إنّ الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشّيطان»([5])، وليس فيه أيضاً ذكر بيت عائشة.
  3. وعنه أيضاً، قال: إنّه قام إلىٰ جنب المنبر فقال: «الفتنة ها هنا، الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشّيطان». أو قال: «قرن الشّمس»([6])، وليس فيه أيضاً ذكر بيت عائشة.

وفي روايةٍ لمسلمٍ: عن ابن عمر أيضا: أنّ رسول الله  قام عند باب حفصة، فقال بيده نحو المشرق: «الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشّيطان».

وابن عمر ــ راوي هذا الحديث ــ هو أخو حفصة أمّ المؤمنين، أيراه يروي ما فيه ذمٌّ لأخته علىٰ زعمه؟!

وفي روايةٍ لمسلمٍ أيضاً هي أشدّ وضوحاً في تعيين المراد، عن ابن عمر، قال: خرج رسول الله  من بيت عائشة، فقال: «رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشّيطان» يعني: المشرق.

وفي روايةٍ عند أحمد([7]) عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله  يشير بيده يؤمّ العراق، وقال: «ها إنّ الفتنة ها هنا، ها إنّ الفتنة ها هنا ــ ثلاث مرّاتٍ ــ من حيث يطلع قرن الشّيطان».

فمن مجموع هـٰذه الروايات يتبين أنّ النبي  إنما قصد المشرق وخاصّةً العراق عراق فارس وعراق العرب، وكلّ ما في الأمر أنّ بيت عائشة كان جهة المشرق، فقال الراوي: وأشار إلىٰ بيت عائشة، وهو يريد جهة المشرق الذي فيه بيت عائشة، ولذا جاء في بعض الروايات: «بيت حفصة»، وجاء في أكثرها ذكر المشرق أو العراق دون ذكر بيت عائشة.

والواقع يؤكّد ما ذكرنا، وقد صدق رسول الله  الصّادق المصدوق؛ فجُلُّ البدع إنما خرجت من «المشرق» حيث الخوارج والشيعة والجهمية والقدرية وهولاكو وتيمورلانك، وسيكون الدّجّال ويأجوج ومأجوج، وغير ذلك من الفتن كثيرٌ، نسأل الله تعالىٰ السلامة والوقاية.

[3] دعوىٰ عدم احترامها للنّبي :

فإنماهـٰذا فهمه هو، حمله عليه سوء ظنّه بها والتماسه أدنىٰ ممسكٍ لتخطئتها، ولو كان بعيداً حتىٰ علىٰ ذهن الشّيطان، وحقيقة الأمر أنّ بيتها كان عبارةً عن حجرةٍ صغيرةٍ ــ لم تتّسع إلّا لثلاثة قبورٍ كما نعلم جميعاً ــ فكان رسول الله  يصلّي الليل وهي نائمةٌ، فإذا سجد غمزها لتقبض رجليها. فأي ضيرٍ في هـٰذا؟!

وأقول جدلاً: هل يظنّ أنّ رسول الله  معلّم النّاس الخير يسكت عن مثل هـٰذا الفعل من عائشة إن كان وقع؟!

[4] دعوىٰ تأليبها علىٰ عثمان رضي الله عنه:

فزورٌ وبهتانٌ ودعوىٰ باطلةٌ لا تستند إلىٰ دليلٍ ولا برهانٍ، ولم تقل: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر»، بل هـٰذا مما كذب عليها، روىٰ ذٰلك الطّبري([8]) من رواية سيف بن عمر؛ وهو متّهمٌ بالكذب، ورواية نصر بن مزاحمٍ؛ وهو رافضي كذّابٌ.

[5] دعوىٰ خروجها علىٰ علي رضي الله عنه:

فهـٰذا غير صحيحٍ، فما خرجت عليه ولا أرادته، إنما خرجت مع ابن أختها عبد الله بن الزّبير، والزّبير، وطلحة، وجماعةٍ من المسلمين؛ لدعوة أهل البصرة إلىٰ أن يسلّموا قتلة عثمان، وكان علي حينها في المدينة، ولو أرادوا الخروج عليه لقصدوا المدينة لا البصرة.

[6] اتّهامها بالكذب علىٰ رسول الله  فيما روته من فضائلها:

فهـٰذه أيضا كأخواتها السّابقة دعوىٰ عريضةٌ لا تقوم علىٰ برهانٍ، بل هي نفثة مصدورٍ، وشيءٌ وقر في قلبه من بغض أمّنا رضي الله عنها.

وبهذه الرّدود قد تبين ضعف جميع ما استدلّ به علىٰ الوصية والعهد وغير ذٰلك.

 

([1])        وهو نبتٌ حلوٌ، رائحته كريهةٌ.

([2])       أخرجه البخاري (5267).

([3])       «صحيح البخاري» (4912).

([4])       أخرجه البخاري (3498).

([5])       أخرجه البخاري (3279).

([6])       أخرجه البخاري (7092) ومسلم (2905).

([7])        «مسند أحمد» (2/143).

([8])       «تاريخ الطبري» (3/477).