دعوىٰ عبدالحسين أنّ أبا بكرٍ كان مع جيش أسامة
28-03-2023
أمّا دعوىٰ عبدالحسين أنّ أبا بكرٍ كان مع جيش أسامة.
قلت: لا تثبت، والصحيح أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق لم يكن ضمن جيش أسامة، كيف والنبي كان قد أمره أن يصلّي بالنّاس طوال فترة مرضه بأبي هو وأمّي، وحين كان الجيش في «الجرف» كان أبو بكرٍ في «العالية» ولم يكن معهم. أمّا الذي كان مع الجيش فهو عمر وليس أبا بكرٍ.
أمّا مسألة التّحسين والتقبيح العقلي؛ فأقول:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السّقيم
أنا لم ولن أكون سفسطائياً، ولا أنكر أنّ الحُسن والقبح يدركان بالعقل، ولكني أقول: إنّ التّحسين والتقبيح الشّرعي مبناه علىٰ النّصّ، وما كنت أظنّ أنني أحتاج إلىٰ تفصيل ذٰلك لوضوحه:
وليس يصحّ في الأفهام شيءٌ
إذا احتاج النّهار إلىٰ دليل
ولكنّي أجدني مضطراً إلىٰ تفصيل ذٰلك بناءً علىٰ قواعد أهل السُّنة والجماعة.
إن معنىٰ التحسين والتقبيح العقلي هو: هل للعقل تدخّلٌ في التّحسين والتقبيح؟ علىٰ ثلاثة أقوالٍ:
القول الأول: العقل يدرك الحسن والقبح، فهو يحسّن ويقبّح.
القول الثاني: لا يدرك الحسن والقبح، فهو لا يحسّن ولا يقبّح.
القول الثالث: التفصيل في ذٰلك.
والصحيح هو التفصيل، وهو علىٰ أربعة أوجهٍ:
الأول: يقول أهل السُّنة إنّ من أسماء الله تعالىٰ «الحكيم»، فيرون ــ بناءً علىٰ ذٰلك ــ أنّ جميع الأوامر والنّواهي مشتملةً علىٰ مصالح العباد، فيثبتون الحكمة والتّعليل في أفعال الله وأحكامه.
قال ابن القيم رحمه الله: «كيف والقرآن وسنّة النبي مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتّنبيه علىٰ وجود الحكم التي لأجلها شرّع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هـٰذا في القرآن والسُّنة في نحو مئة موضعٍ أو مئتين لسقناها، ولكنه يزيد علىٰ الألف موضعٍ بطرقٍ متنوّعةٍ. فتارةً يذكر «لام» التعليل الصّريحة، وتارةً يذكر «المفعول لأجله» الذي هو المقصود بالفعل، وتارةً يذكر «من أجل» الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة «كي»، وتارةً يذكر «الفاء» و«إن»، وتارةً يذكر «لعلّ» المتضمنة للتعليل المجردة عن معنىٰ الرجاء المضاف إلىٰ المخلوق، وتارةً ينبّه علىٰ السّبب بذكره صريحاً.. وتارةً يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرّق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين، وأنه ينزّل الأشياء منازلها ويرتّبها مراتبها»([1]).
الوجه الآخر، ألا وهو: أنّ أفعال الله تعالىٰ كلّها حسنةٌ، الذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه.
وثالثها: أنّ الشّرع جاء بتقرير ما هو مستقرٌّ في الفطر السّليمة والعقول المستنيرة، ومن ذٰلك: تحسين الحسن والأمر به، وتقبيح القبيح والنّهي عنه. فلا يتعارض الشّرع مع العقل.
ورابعها: أنّ العقل لا حقّ له في أن يثبت شرعاً، وإنما مبنىٰ الشّرع علىٰ النّقل، ولذٰلك قال أهل العلم: الأصل في العبادات المنع حتىٰ يرد بها دليلٌ.
وخلاصة الأمر: أنّ أهل السُّنة أثبتوا ما أثبته الله تعالىٰ لنفسه من الحكمة والتعليل، ونزّهوا الله تعالىٰ عن أن يأمر بالقبائح والنّقائص؛ لكمال حكمته وعلمه وعدله، ولذٰلك لا يمكن أن يجئ الشّرع عندهم بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقل عن فهمه وإدراكه.
قال ابن أبي العزّ رحمه الله: «إنّ الشّرع لا يأتي بما تحيله العقول، لكن بما تحار منه العقول»([2])، فأثبت أهل السُّنة تحسين العقل وتقبيحه، ولكن لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب؛ لأنّ هـٰذا مجاله النّقل.