نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [72]

ذكر عبدالحسين في مراجعته أنّ لأمّ المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، ولكنه شكّك في كونها أفضل من أمّ المؤمنين خديجة، بل جزم بأنّ خديجة أفضل.

وهـٰذه لا أجادل فيها؛ لأنّ التفضيل بين خديجة وعائشة مما اختلف فيه أهل العلم من أهل السُّنة، ولكني أجادل بالحسنىٰ في أمرٍ آخر، ألا وهو: الأحاديث التي ذكرها ليستدلّ بها علىٰ تفضيل خديجة علىٰ عائشةرضي الله عنها، وها هو بيانٌ بحالها:

[1 ،2] حديث: «ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها..»

قلت: هـٰذا الحديث ضعيف لا يثبت.

أخرجه أحمد([1])، قال: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، به.

وفيه: مجالد بن سعيدٍ، وقد زاد فيه، قال ابن معينٍ: «لا يحتجّ به»، وضعّفه أحمد والنّسائي والدّارقطني وغيرهم([2]).

أمّا الرواية الصحيحة؛ فأخرجها البخاري ومسلمٌ([3])، من طريق الثّقات عن عائشة أمّ المؤمنين ــ واللفظ لمسلمٍ ــ: قالت: استأذنت هالة بنت خويلدٍ أخت خديجة علىٰ رسول الله ، فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذٰلك، فقال: «اللهم هالة بنت خويلدٍ». فغرت؛ فقلت: وما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريشٍ حمراء الشّدقين، هلكت في الدّهر، فأبدلك الله خيراً منها.. الحديث.

أبمثل مجالدٍ الضّعيف تردّ أحاديث الثّقات خاصّةً ما كان منها في «الصّحيحين»؟!

ومما يدل على ضعفه نكارة متنه، وفيه: «ورزقني منها الولد إذ حرمني أولاد النساء»، وقد علم القاصي والداني أن للنبي ولداً اسمه إبراهيم من مارية رضي الله عنها.

قال ابن كثيرٍ ــ بعد أن ذكر هـٰذا الحديث بالرواية الصحيحة ــ: «هـٰكذا رواه البخاري، فأمّا ما يروىٰ من الزيادة: «والله ما أبدلني الله خيراً منها»؛ فليس يصحّ سندها»([4]).

وأمّا فضل عائشة ومنزلتها، فلا نعلم لها عندهم فضلاً ولا منزلةً، بل من علمائهم ــ إن لم يكونوا كلّهم ــ يرون أنها ارتدّت بعد وفاة النبي ، هـٰذا إن قبل بعض علمائهم أنها أسلمت ابتداءً. وكذٰلك يطعن في شرفها من قبل الكثير منهم، وها هو بعض طعنهم فيها:

دعاء صنمي قريشٍ، وفيه: «اللهم العن صنمي قريشٍ [أبا بكر وعمر].. وابنتيهما [عائشة وحفصة]..».

ــ وقول القمّي في «تفسيره» من أنّ قول الله تعالىٰ: ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَامَرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾  [التّحْريم: 10]؛ أنها في عائشة وحفصة.

وما نقله رجب البرسي عن الحسن بن علي أنه قال لعائشة: «نسيت نبشك في بيتك ليلاً بغير قبسٍ بحديدةٍ، حتىٰ ضربت الحديدة كفّك، فصارت جرحاً إلىٰ الآن، فأخرجت جرداً أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتىٰ أخذت منه أربعين ديناراً..»([5]).

* * *

[3] حديث: «أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنة من قصب».

حديثٌ صحيحٌ متّفقٌ عليه، أخرجه البخاري، ومسلمٌ([6])، من حديث أبي هريرة، قال: أتىٰ جبريل النبي ، فقال: «يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك، معها إناءٌ فيه إدامٌ، أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربّها عز وجل ومنّي، وبشّرها ببيتٍ في الجنّة من قصبٍ، لا صخب فيه ولا نصب».

* * *

[4] حديث: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران».

حديثٌ صحيحٌ؛ أخرجه جماعةٌ منهم الإمام أحمد([7])، من حديث ابن عباس، قال: خطّ رسول الله  في الأرض أربعة خطوطٍ، قال: «تدرون ما هذا؟» فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله : «أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحمٍ امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران».

* * *

[5] وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خير نساء العالمين أربع»، ثم ذكرهن وقال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون».

حديثٌ صحيحٌ؛ أخرجه جماعةٌ منهم الإمام أحمد([8])، من حديث عن أنسٍ، أنّ النبي  قال: «حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة ابنة محمد، وآسية امرأة فرعون».

* * *

[6] قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصفية: «ما يبكيك؟» قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني.. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا قلت لهن: كيف تكن خيراً مني، وأبي هارون، وعمي موسىٰ، وزوجي محمد».

قلت: هذا حديثٌ ضعيف.

أخرجه التّرمذي([9])، محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا هاشم بن سعيدٍ الكوفي، حدثنا كنانة قال: حدّثتنا صفية بنت حيي قالت: دخل علي رسول الله  وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام فذكرت ذلك له، فقال: «ألا قلت: فكيف تكونان خيراً مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسىٰ»؟ وكان الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم علىٰ رسول الله  منها، وقالوا: نحن أزواج النبي  وبنات عمه.

قال الترمذي: «حديثٌ غريبٌ؛ لا نعرفه من حديث صفية إلّا من حديث هاشمٍ الكوفي، وليس إسناده بذلك القوي».

فيه هاشم بن سعيد الكوفي، أبو إسحاق، وهو ضعيف.

قال ابن معين: «ليس بشيء»([10]).

وقال أحمد «لا أعرفه»([11]).

وقال ابن عدي: «مقدار ما يرويه لا يتابع عليه»([12]).

وذكره ابن الجوزي في الضعفاء([13]).

وذكره ابن حبان في الثقات([14]).

 

([1])        «مسند أحمد» (24864)،

([2])       تقدم حال في المراجعة (8)، الحديث (12).

([3])       «صحيح البخاري» (3821)، «صحيح مسلم» (2437).

([4])       «البداية والنهاية» (11/340).

([5])       «مشارق أنوار اليقين» (86).

([6])       «صحيح البخاري» (3820)، «صحيح مسلم» (2432).

([7])        «مسند أحمد» (2668).

([8])       «المسند» (12391).

([9])       «جامع الترمذي» (3892).

([10])     «الكامل» لابن عدي (7/115).

([11])      «تهذيب الكمال» (30/128).

([12])     «الكامل» (7/115).

([13])     «الضعفاء» (3/172).

([14])     «الثقات» (7/585).