[3] ومن طريق آخر؛ أخرجه الإمام أحمد في آخر الصفحة المذكورة، قال: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله». قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته. ـ

وأنت إذا ضممت علياً وزيد بن أرقم إلىٰ الاثني عشر المذكورين في الحديث، كان البدريون يومئذ 14 رجلاً كما لا يخفىٰ، ومن تتبع «السنن» الواردة في مناشدة الرحبة، عرف حكمة أمير المؤمنين في نشر حديث الغدير وإذاعته.

ولسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، موقف ــ علىٰ عهد معاوية ــ حصحص فيه الحق، كموقف أمير المؤمنين في الرحبة؛ إذ جمع الناس ــ أيام الموسم بعرفات ــ فأشاد بذكر جده وأبيه وأمه وأخيه، فلم يسمع سامع بمثله بليغاً حكيماً يستعبد الأسماع، ويملك الأبصار والأفئدة، جمع في خطابه فأوعىٰ، وتتبع فاستقصىٰ، وأدىٰ يوم الغدير حقه، ووفاه حسابه، فكان لهذا الموقف العظيم أثره، في اشتهار حديث الغدير وانتشاره.

وإن للأئمة التسعة من أبنائه الميامين طرقاً ــ في نشر هذا الحديث وإذاعته ــ تريك الحكمة محسوسة بجميع الحواس، كانوا يتخذون اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عيداً في كل عام، يجلسون فيه للتهنئة والسرور، بكل بهجة وحبور، ويتقربون فيه إلىٰ الله عز وجل بالصوم والصلاة، والابتهال ــ بالأدعية ــ إلىٰ الله، ويبالغون فيه بالبر والإحسان، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص علىٰ أمير المؤمنين بالخلافة، والعهد إليه بالإمامة، وكانوا يصلون فيه أرحامهم، ويسعون علىٰ عيالهم، ويزورون إخوانهم، ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.

وبهذا كان يوم 18 من ذي الحجة في كل عام عيداً عند الشيعةفي جميع الأعصار والأمصار، يفزعون فيه إلىٰ مساجدهم للصلاة فريضة ونافلة، وتلاوة القرآن العظيم، والدعاء بالمأثور، شكراً لله تعالىٰ علىٰ إكمال الدين، وإتمام النعمة، بإمامة أميرالمؤمنين، ثم يتزاورون، ويتواصلون فرحين مبتهجين، متقربين إلىٰ الله بالبر والإحسان وإدخال السرور علىٰ الأرحام والجيران. ولهم في ذلك اليوم من كل سنة زيارة لمشهد أمير المؤمنين، لا يقل المجتمعون فيها عند ضراحه عن (مئة ألف) يأتون من كل فج عميق، ليعبدوا الله بما كان يعبده في مثل ذلك اليوم أئمتهم الميامين، من الصوم والصلاة والإنابة إلىٰ الله، والتقرب إليه بالمبرات والصدقات، ولا ينفضون حتىٰ يحدقوا بالضراح الأقدس، فيلقوا في زيارته ــ خطاباً مأثوراً عن بعض أئمتهم، يشتمل علىٰ الشهادة لأمير المؤمنين بمواقفه الكريمة، وسوابقه العظيمة، وعنائه في تأسيس قواعد الدين، وخدمة سيد النبيين والمرسلين إلىٰ ما له من الخصائص والفضائل، التي منها عهد النبي إليه، ونصه يوم الغدير عليه، هذا دأب الشيعة في كل عام، وقد استمر خطباؤهم علىٰ الإشادات في كل عصر ومصر، بحديث الغدير مسنداً ومرسلاً، وجرت عادة شعرائهم علىٰ نظمه في مدائحهم قديماً وحديثاً، فلا سبيل إلىٰ التشكيك في تواتره من طريق أهل البيت وشيعتهم، فإن دواعيهم لحفظه بعين لفظه، وعنايتهم بضبطه وحراسته ونشره وإذاعته، بلغت أقصىٰ الغايات، وحسبك ما تراه في مظانه من الكتب الأربعة وغيرها من مسانيد الشيعة المشتملة علىٰ أسانيده الجمة المرفوعة وطرقه المعنعنة المتصلة، ومن ألم بها، تجلىٰ له تواتر هذا الحديث من طرقهم القيمة.

بل لا ريب في تواتره من طريق أهل السنّة بحكم النواميس الطبيعية كما سمعت: ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾  [الروم: 30]. وصاحب «الفتاوىٰ الحامدية» ــ علىٰ تعنته ــ يصرح بتواتر الحديث في رسالته المختصرة الموسومة بــ «الصلوات الفاخرة في الأحاديث المتواترة»، والسيوطي وأمثاله من الحفاظ ينصون علىٰ ذلك، ودونك محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و«التاريخ»، المشهورين، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، ومحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، فإنهم تصدوا لطرقه، فأفرد له كل منهم كتاباً علىٰ حدة، وقد أخرجه ابن جرير في «كتابه» من خمسة وسبعين طريقاً، وأخرجه بن عقدة في «كتابه» من مئة وخمسة طرق([1]) والذهبي ــ علىٰ تشدده ــ صحح كثيراً من طرقه، وفي الباب السادس عشر من «غاية المرام» تسعة وثمانون حديثاً من طريق أهل السنّة في نص الغدير، علىٰ أنه لم ينقل عن الترمذي، ولا عن النسائي، ولا عن الطبراني، ولا عن البزار، ولا عن أبي يعلىٰ، ولا عن كثير ممن أخرج هذا الحديث، والسيوطي نقل الحديث في أحوال علي من كتابه «تاريخ الخلفاء» عن الترمذي، ثم قال: «وأخرجه أحمد عن: علي، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وعمر، وذي مر، (قال) وأبو يعلىٰ عن أبي هريرة، والطبراني عن: ابن عمر، ومالك بن الحويرث، وحبشي بن جنادة، وجرير، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وأنس، (قال) والبزار، عن ابن عباس، وعمارة، وبريدة» اهـ.

 

([1])        علّق عبدالحسين قائلا: «نص صاحب غاية المرام في أواخر الباب 16 ص89 من كتابه المذكور: ابن جرير أخرج حديث الغدير من خمسة وتسعين طريقاً في كتاب أفرده له سماه كتاب: الولاية، وأن ابن عقدة أخرجه من مائة وخمسة طرق وفي كتاب أفرده له أيضاً، ونص الإمام أحمد بن محمد بن الصديق المغربي علىٰ أن كلا من الذهبي وابن عقدة أفرد لهذا الحديث كتاباً خاصاً به، فراجع خطبة كتابه القيم الموسوم ــ بفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي» اهــ.