نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [52]

ساق عبدالحسين هذه المراجعة علىٰ أصول التّقية، وكنت أظنّ أنه سيتكلّم بصراحةٍ دون هـٰذه التّقية التي لا أجد لها مسوّغاً.

فلم لا نكون صرحاء مع بعضنا البعض؟ والله! الذي لا إله إلّا هو! لو كان حديثنا معهم فيه من الصّدق والصّراحة المرجوة؛ لما اتّسع الخلاف إلىٰ هـٰذا الحدّ الذي نراه، ولما اتّسع الخرق علىٰ الرّاقع.

ونحن صادقون، ونودّ أن نتعامل معهم علىٰ أنهم كذٰلك! ونحن واضحون، ونودّ أن نتعامل معهم علىٰ أنهم كذٰلك! ولكنهم لا يعطونناهـٰذه الفرصة؟! ولعلّي ــ بحول الله وقوته ــ بعملي هذا أُسْهِم بالتّوصل إلىٰ أمرٍ يزيل الخلاف الذي بيننا، ويستلّ سخيمة الصّدور التي عشعشت فيها منذ قرونٍ، وأعود إلىٰ مراجعته، فأقول:

قال: إنه يؤمن «بفضائل أهل السوابق من المهاجرين والأنصار كافة ؟ث ورضوا عنه، وفضائلهم لا تحصىٰ ولا تستقصىٰ».

ثمّ أوجد لنفسه مخرجاً بقوله: «أحاديث الفضائل الواردة في كتبنا غير مقبولة عندهم». فإني سائلٌ سؤالاً لعلّي أجد له جواباً، هو: من هم أهل السّوابق من المهاجرين عنده؟

وهل يدخل فيهم (أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وسعدٌ، وسعيدٌ، وطلحة، والزّبير، وأبو عبيدة)، أو لا يدخلون؟ فإن لم يدخلوا؛ فمن هم إذن أهل السوابق من المهاجرين والأنصار؟ ولن أستبق الجواب، ولكن أذكّر فقط بموقف الشيعة الاثني عشرية من هـٰؤلاء الصّحابة، فأقول:

[1]  طعنهم في الصحابة رضي الله عنهم، قال نعمة الله الجزائري: «إن أغلب الصحابة كانوا على النفاق، ولكن كانت نار نفاقهم كامنة في زمنه [أي: النبي ﷺ]، فلما انتقل إلى جوار ربه برزت نار نفاقهم لوصيِّه ورجعوا القهقرى»([1]).

[2] طعنهم في أبي بكرٍ الصّدّيق عبد الله بن عثمان ؟ا، وهو أقرب أصحاب النبي  إليه، وابنته عائشة أحبّ أزواج النبي  إليه بل أحبّ النّاس، وهو صاحب النبي  في الهجرة، وفضائله كثيرةٌ جداً.

أمّا في كتب الشيعة الاثني عشرية؛ فالموقف من هـٰذا الصّحابي الجليل مختلفٌ تمام الاختلاف عمّا عليه المسلمون؛ فنجد في كتبهم رواياتٍ كثيرةً تطعن في هـٰذا الصّحابي الجليل، وسأقتصر علىٰ ذكر روايةٍ أو روايتين من الروايات التي تطعن فيه وفي سائر الصّحابة الذين سأذكرهم. علماً بأنّ مصادر هـٰذه الروايات هي: «بحار الأنوار»، و«الأنوار النعمانية»، و«الكافي»، و«تفسير القمي»، وغيرها من الكتب التي سأعزو إليها ما أذكره منها.

  1. عن أبي بصيرٍ قال: «سألت أبا عبد الله [الصّادق] عن قول الله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72]؟ قال [الصّادق]: الأمانة: الولاية. والإنسان: أبو الشّرور المنافق»([2]).

وقال المجلسي: «أبو الشّرور أي: أبو بكرٍ»([3]). قال محمد آصف محسني: «إسنادها معتبرٌ»([4]).

  1. لا أظنّ أنه يخفىٰ عليه ما جاء في «دعاء صنمي قريشٍ»، تُرىٰ من هما صنما قريشٍ؟ أهما اللات والعزّىٰ؟ لا. أهما أبو جهلٍ وأبو لهبٍ؟ لا. إنهما عند الشيعة: أبو بكرٍ وعمر!!

وها هو دعاء صنمي قريشٍ: «اللهم العن صنمي قريشٍ، وجبتيها، وطاغوتيها، وإفكيها، وابنتيهما([5]) الذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرّفا كتابك.. اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما..».

وقد ذكر مؤلّف الكتاب منظور حسين أنّ هـٰذا مطابقٌ لفتاوىٰ كثيرٍ من مراجع الشيعة، منهم: محسن الحكيم طباطبائي، سيد حسين بروجردي، أبو القاسم الخوئي، محمد كاظم شريعة مداري([6]).

قال شهاب الدين المرعشي: «ثمّ اعلم أنّ لأصحابنا شروحاً علىٰ هـٰذا الدّعاء، منها شرحٌ مشحونٌ بالفوائد للمولىٰ عيسىٰ بن علي الأردبيلي، وكان من علماء زمان الصّفوية، وكلّها مخطوطةٌ، وبالجملة؛ صدور هـٰذا الدّعاء مما يطمئن به لنقل الأعاظم إياها في كتبهم واعتمادهم عليها»([7]).

وقال البحراني: «كان أبو بكر الصديق يصلي خلف رسول الله ﷺ، والصنم معلق في عنقه يسجد له، وكان يفطر متعمداً في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله»([8]).

وفي «ضياء الصالحين»: «من يلعن أبا بكر، وعمر في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح»([9]).

[3] طعنهم في الفاروق عمر بن الخطاب ؟ا صهر رسول الله ، وصهر علي ؟ا([10])، الإمام التّقي النّقي، الذي أطبق أهل الأرض وأهل السّماء علىٰ عدله وإمامته، ضجيع النبي  في قبره، وصاحبه في الحياة.

أمّا في كتب الشيعة الاثني عشرية؛ فقد وردت رواياتٌ كثيرةٌ جداً في ذمّه، بل إنّ أمره عندهم عجبٌ بل من أعجب العجب؛ وذٰلك أنّ المسلمين جميعاً بل وغير المسلمين من اليهود والنّصارىٰ من مستشرقين وغيرهم؛ يقرّون بفضل هـٰذا الرّجل وإمامته وحسن سياسته.

فها هي بعض المرويات التي جاءت في كتب الشيعة الاثني عشرية وفيها ذمّ الشّيخين معاً أبي بكرٍ وعمر، غير ما تقدّم من دعاء صنمي قريشٍ:

  1. عن جعفرٍ الصّادق قال: «ألا إنّ خلف مغربكم هـٰذا تسعةٌ وثلاثون مغرباً، أرضاً بيضاء مملوءةً خلقاً يستضيؤون بنوره، لم يعصوا الله عز وجل طرفة عينٍ، ما يدرون: خلق آدم أم لم يخلق، يبرؤون من فلانٍ وفلانٍ»([11]).

وذكر المجلسي هـٰذه الرواية تحت باب: «كفر أبي بكرٍ وعمر وعثمان»([12]).

  1. عن جعفرٍ الصّادق في قوله تعالىٰ: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلْأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: 29] ؟ قال: «هما». ثمّ قال: «وكان فلانٌ شيطاناً».

قال المجلسي ــ مفسّراً هذه الرواية ــ: «(هما) أي: أبو بكرٍ وعمر. والمراد بــ(فلانٍ): عمر. إما لأنه كان شرك شيطانٍ لكونه ولد زنا، أو لأنه كان في المكر والخديعة كالشّيطان»([13]).

وقال البياضي: «عمر بن الخطاب كان كافراً يبطن الكفر ويظهر الإسلام»([14]).

وقال المجلسي: «لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر، فَلعْنةُ الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مُسْلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه»([15]).

وأما التويسركاني؛ فإنه قد فاق أقرانه من علماء الشيعة في بغضه لأصحاب رسول الله ﷺ فقال: «اعلم أن أشرف الأمكنة والأوقات، والحالات، وأنسبها للعن عليهم؛ إذا كنت في المبال، فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مراراً بفراغ من البال: اللهم العن عمر، ثم أبا بكر وعمر، ثم عثمان وعمرٍ، ثم معاوية وعمر، ثم يزيد وعمر، ثم ابن زياد وعمر، ثم ابن سعد وعمر، ثم شَمْراً وعمر، ثم عسكرهم، اللهم العن عائشة، وحفصة، وهند، وأم الحكم، والعن من رضي بأفعالهم إلى يوم القيامة»([16]).

وقال الخميني عن أبي بكر وعمر: «وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى، والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة»([17]).

وقال أيضاً: «الواقع أنهم ما أعطوا الرسول ﷺ حقه وقدره..، الرسول ﷺ الذي كَدَّ وجَدَّ وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمضَ عينيه، وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمةُ على الفرية، والنابعة من أعمال الكفر والزندقة»([18]).

وقال ياسين الصواف عن عيد مقتل عمر:

 

يا صَاحِ صِحْ إنّ هذا عِيـدُ فَاطِمَةَ        

                                    عِيدُ السُّرُورِ بِبَقْرِ الْبَطنِ مِنْ عُمَرِ

يَومٌ بِهِ صَاحَ إِبْلِيسُ الْغَوِيُّ ضُحَىٰ        

                                        بِمَـجْمَعٍ مِنْ غُوَاةِ الْجِنِّ وَالْبَشَرِ

اليَومَ مَاتَ رَئِيسُ الْفَاسِقِينَ وَمَنْ       

                                    سَادَ الْأَبَالِيسَ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ بَشَرِ

فَيْرُوزُ([19]) لَا شَلَّتِ الْكَفَّانِ مِنْكَ لَقَدْ   

                                          قَتَلْتَ غُنْدَرَ قَدْ هُنّيتَ بِالظَّـفَرِ

مَا أَسَّسَ الْجَوْرَ وَالْعُدْوَانَ غَيْرُ أَبِي        

                                     بَكْرٍ وَلَا سَاسَ مِنْ ظُلْمٍ سِوَىِ عُمَرِ

أَرْجُو مِنَ الله رَبِّـي أَنْ يُبَلِّغَنِي     

                                    أَرَىٰ اللّعِينَيْنِ رُؤْيَا الْعَـيْنِ بِالنَّـظَرِ

يُنْبَشَانِ كَـمَا قَالَ النَّبِيُّ لَنَا         

                                    مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمَا مِنْ سَـاتِرِ الْحُفَرِ

وَيُصْلَبَانِ عَلَىٰ جِذْعَيْنِ مِنْ خَشَبٍ     

                                                وَيُحْـرَقَانِ بِلَا شَكٍّ وَلَا نُـكُرِ([20])

 

وأما أبو لؤلؤة ــ قاتل عمر رضي الله عنه ــ؛ له اليوم قبر ومشهد يُزار في مدينة كاشان الإيرانية، وقال عنه الغريفي في مقدمة كتاب «عقد الدرر»: «إن قاتل الخليفة الثاني هو أبو لؤلؤة فيروز، وإنه وإن كان على أي مذهب أو ملة أو دين؛ فإنه مستحق للرحمة لِمَا تحقق من دعاء الصديقة الزهراء عليه ببقر البطن، ويقتضي زيارة هذا المقام المنسوب إليه [يعني: بكاشان] برجاء أن يكون له، ومن المناسب عند زيارته الترحم عليه كرامة لفعله».

[4] طعنهم في ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، يقول الكركي: «إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره فهو عدو لله ورسوله، كافر بما أنزل الله»([21]).

[5] طعنهم في أم المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَامَرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾  [التحريم: 10]، قال القمي في تفسيره: و«الله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة، وَلَيُقيمَنَّ الحدَّ على عائشة فيما أتت في طريق البصرة، وكان طلحة يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من طلحة»([22]).

وقال رجب البرسي: «إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة، وفرقتها على بعض مبغضي علي»([23]).

 

([1])        «الأنوار النعمانية» (1/81).

([2])       «معاني الأخبار» ص110.

([3])       «بحار الأنوار» (23/279).

([4])       «مشرعة البحار» (1/428).

([5])       يقصدون عائشة وحفصة أمّي المؤمنين، وزوجتي سيد البشر  ﷺ.

([6])       «تحفة العوام مقبول» 322.

([7])        في حاشيته علىٰ كتاب «إحقاق الحق» (1/337).

([8])       «البرهان» (1/500).

([9])       «ضياء الصالحين» لمحمد صالح الجوهري (ص513).

([10])     تزوّج عمر بابنة علي أمّ كلثومٍ  ﷺ جميعا.

([11])      «الكافي» (8/301)، وصحّحها المجلسي في «مرآة العقول» (26/167).

([12])     «بحار الأنوار» (30/198).

([13])     «مرآة العقول» (26/488).

([14])     «الصراط المستقيم» (3/129).

([15])     «جلاء العيون» (ص45).

([16])     «لآلئ الأحبار» للتويسركاني (4/92).

([17])     «كشف الأسرار» (ص127).

([18])     «كشف الأسرار» (ص137).

([19])     فيروز: هو أبو لؤلؤة المجوسي، قاتل عمر، رضي الله عن عمر.

([20])    القصيدة تزيد علىٰ (135) بيتاً، ذكرها الشيخ محمد مال الله رحمه الله في كتابه «يوم الغفران» نقلاً عن «عقد الدرر في بقر بطن عمر» تأليف الشيعي ياسين بن أحمد الصواف (ص9 ــ 12).

([21])     «نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت» (ق57/أ) لعلي بن هلال الكركي المتوفى سنة 984هـ.

([22])    «تفسير القمي» (2/377).

([23])    «مشارق الأنوار» (ص86).