أخبار بني إسرائيل لها أكثر من طريق:

الطريق الأول: ما جاء من أخبارهم في كتاب الله: كما في قول الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾، فهؤلاء بنو إسرائيل والله يخبر عنهم، فهذا خبر عن بني إسرائيل ولكنه في كتاب الله تبارك وتعالى، وكذلك جميع قصص الأنبياء الذين بين يعقوب ومحمد رضي الله عنه، كلهم أنبياء بني إسرائيل، وهم كثر كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُوا نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ ٱلْعَالَمِينَ﴾  .

الطريق الثاني: ما جاء في السنة: مما أخبر به النبي ﷺ، وهذا كثير جداً كما ذكر ﷺ من قصة جريج العابد، وقصة الثلاثة الذين دخلوا إلى الغار، ونزلت صخرة فأطبقت عليهم فم الغار.

فهذه نقبلها، ونصدق بها، ونؤمن بها كما أخبر الله ــ جل وعلا ــ أو أخبر رسوله ﷺ.

الطريق الثالث: ما وجدناه في كتبهم: كما يوجد في التوراة أو يوجد في الإنجيل، أو يوجد في مزاميرهم ورسائلهم وغيرها، فهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مقبول.

القسم الثاني: مرفوض.

القسم الثالث: يُروى ولا يصدق ولا يكذب.

فأما المقبول: فهو الذي يوافق ما في كتاب الله وما في سنة نبينا محمد ﷺ، فهذا مقبول، مثلاً قصة يوسف في التوراة، وقصة موسى وإبراهيم، ولا شك أنه يغنينا عنه ما في الكتاب والسنة.

وأما المرفوض: فهو ما خالف الكتاب والسنة، أو كان فيه طعن في الله سبحانه وتعالى، أو في أنبيائه عليهم السلام، كما جاء في التوراة مثلاً أن الله تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فهذا لا شك أننا نكذبه، وكذا ما ذكرناه من طعنهم في أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهذا كذلك مما نرده ونكذبه.

وأما القسم الثالث: فهو الذي لا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله محمد ﷺ، وليس فيه أي طعن في أنبياء الله أو في رب العزة تبارك وتعالى، فهذا تجوز روايته كما قال ﷺ: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»([1])، وقال صلوات الله وسلامه عليه: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل علينا»([2]).

فالمسلم موقفه من هذه الإسرائيليات التي لا تخالف ولا توافق؛ أنه لا يُكَذِّب؛ لأنه قد يُكذِّب حقاً، ولا يُصَدِّق؛ لأنه قد يُصَدِّق باطلاً، فماذا يفعل؟

يجوز له أن يَروي، كما قال ﷺ: «حَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، خاصةً القصص التي تكون فيها بعض العبر والفوائد من قصص بني إسرائيل كبعض الحكم التي تنقل عن عيسى عليه السلام أنه قال عن الدنيا مثلاً: «اعبروها ولا تعمروها»، فهذه كلمة طيبة وحكمة، فيحتمل أن عيسى عليه السلام قالها، ويحتمل أنه لم يقلها، فالله أعلم بهذا، لذلك لا بأس أن نرويها، ولكن لا نُصَدِّق ولا نُكَذِّب، فنقول: يُروى عن عيسى عليه السلام أنه قال كذا، و«يُروى» هذه كلمة فيها تمريض، يعني: يحتمل أنه ثبت ويحتمل أنه لم يثبت، وقصص بني إسرائيل كثيرة جداً تلك التي فيها شيء من المواعظ والفوائد التي يستفيدها المرء في دينه ولكن لا يحتاجها، وإنما يستفيد منها، كمثل القصة التي ذكرت أن ثلاثة نالوا مالاً، ثم خرج أحدهم، ليأتي بالطعام وجلس اثنان، فاتفقا على قتل صاحبهما، ليقسم المال بينهما بدل أن يقسم على ثلاثة، واتفقا على أنه إذا جاء قتلاه، فذهب وأتى بالطعام، فلما رجع، جاءاه في غفلة فقتلاه، ثم أكلا الطعام فماتا؛ لأنه كان قد خطط كما خططا وقال في نفسه لماذا يقسم المال على ثلاثة؟ لم لا آخذه وحدي ودس فيه السم، فهذه عبرة وفائدة تبين أن الطمع كيف يؤدي بالإنسان، ولكن لا يحتاجها المسلم في دينه في حلال أو حرام، وإنما تُذكر للعبرة والاستفادة.

هذه الأخبار عن بني إسرائيل التي قد نذكرها وقد ذكرها أهل العلم وتسالموا على نقلها كمثل نقلهم عن أهل الكهف، ما أسماؤهم؟ ما لون كلبهم؟ عصى موسى، من أي الشجر كانت؟ وكذا الطيور التي ذبحها نبي الله إبراهيم عليه السلام من أي الطيور كانت، إخوة يوسف ما أسماؤهم عليهم السلام الجب الذي ألقوا يوسف فيه؟ ما اسم امرأة العزيز؟ وغير ذلك كثير من أخبار بني إسرائيل التي لا مانع من الاستئناس بها وذكرها ولكن الإنسان لا يعتمد عليها.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: «لسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وهو القسم الذي لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب مما فيه بسط لمختصر عندنا أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا، فنذكره على سبيل التحلي لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه، وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسوله ما صح نقله أو حسن..، فقد قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾، فما شَهِدَ له شرعنا بالصدق؛ فلا حاجة بنا إليه استغناءً بما عندنا، وما شهد له شرعنا بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار والإبطال، فإذا كان الله ــ سبحانه وله الحمد ــ قد أغنانا برسولنا محمد ﷺ عن سائر الشرائع، وبكتابه عن سائر الكتب، فلسنا نترامى على ما بأيديهم مما وقع فيه خبط وخوض، وكذب ووضع، وتحريف وتبديل، وبعد ذلك كله نسخ وتغيير»([3]).

إذاً هذا هو موقفنا من روايات بني إسرائيل، فما فائدتها إذاً؟

فائدتها: أن يعرف العبد أو يتعرف على كيفية فعل الله تبارك وتعالى بأوليائه وكيف فعل سبحانه وتعالى بأعدائه، والنبي ﷺ بين لنا كل شيء كما في حديث أبي زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ يوماً الصبح، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم خطبنا حتى صلى بنا العصر، ثم خطبنا حتى غابت الشمس، فنزل وصلى بنا المغرب، فحدثنا بما كان، وما هو كائن، فأعْلَمُنا أحْفَظُنا»([4]).

 

([1])       أخرجه البخاري (3461) من حديث عبد الله بن عمرو ؟ت.

([2])      أخرجه البخاري (4485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([3])      «البداية والنهاية» (1/5).

([4])      أخرجه مسلم (2892).