الأنبياء يختلفون عن المرسلين، فهناك أنبياء، وهناك رسل، والدليل على هذا حديثُ أبي ذر، وقد مضى في أول الكتاب.

كذا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾، ففرق بين الرسول والنبي، وكذا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، وذكر إسماعيل فقال: ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، وذكر إدريس فقال: ﴿كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾، فَفَرَّقَ بين الرسول والنبي.

إذاً ما الفرق بين الرسول والنبي؟

أولاً: الرسول والنبي من حيث المعنى قريبان، فالنبي من النبأ، ولذلك في القراءة الصحيحة: ﴿ٱلنَّبِيِّينَ﴾ تقرأ «النبيئين»، ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، «وكان رسولاً نبيئاً» أي: من النبأ، والرسول هو المرسل، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَٱسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، وقال صاحب يوسف الذي كان معه في السجن للملك: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾   أي: اجعلوني رسولاً إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، فالرسول هو المُرسل.

وقد ذكر أهل العلم ثلاثة أقوال مشهورة:

القول الأول: أن الرسول من أُوحي إليه بشرع، وأُمِرَ بتبليغه، والنبي من أُوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.

القول الثاني: أن الرسول من بُعثَ بشرع مُسْتَقل، والنبي: من يدعو إلى شرع الرسول الذي قبله، فيكون النبي تابعاً للرسول الذي سبقه.

القول الثالث: أن الرسول هو من بُعث إلى قوم كافرين، والنبي من بعث إلى قوم مسلمين، فيكون مَنْ بُعِثَ إلى بني إسرائيل أنبياء؛ لأنهم كلَّهم تبعٌ لموسى عليه الصلاة والسلام، أو تَبَع لإسرائيل عليه الصلاة والسلام، وهو يعقوب، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُوا نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ ٱلْعَالَمِينَ﴾، فالأنبياء هم الذين يبعثون إلى قوم مؤمنين، ولذلك آدم عليه الصلاة والسلام نزل إلى الأرض إلى قوم مؤمنين على الفطرة، وهي الإسلام، فكان أول رسول نوح؛ لأن الناس تركوا الفطرة، قال الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾، فأرسل الله إليهم نوحاً صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الثالث لعله أقرب الأقوال([1]).

 

([1])       ولزيادة الفائدة في هذا المبحث راجع «السلسلة الصحيحة» (2668).