مظاهر من الغلو في الأنبياء
25-02-2023
ولما كان الأنبياء بهذا الكمال والبهاء وقع من البعض غلو في الأنبياء فمن هذا الغلو ما وقع للنصارى من تأليه عيسى، ودعاء اليهود أن عزيراً ابن الله، ولذلك قال النبي ﷺ: «لا تطروني كما أطْرَت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله»([1]) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ومن الغلو ــ الذي نسأل الله تبارك وتعالى أن يزيله ــ ما نراه في بعض المساجد أو في البيوت، أو مع بعض الناس، أنهم يضعون اسم محمد ﷺ بجانب اسم الله، هكذا: (الله: محمد)، وهذا من الغلو، بل لابد أن يكون (الله) فوق، و(محمد) تحت، فهذا خالق وذاك مخلوق، نحن نحب محمداً ﷺ، ولكن لا يجوز أبداً أن نجعل منزلته كمنزلة الله تبارك وتعالى، بل هو عبد مربوب مخلوق لله تبارك وتعالى، أو تُجعل بعض الميداليات (الله: محمد) وهذا غلو.
وأما الشهادة فإنه يأتي تبعاً: (لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله)، أما أن تكون كلمة (محمد) موافقةً لكلمة (الله) فهذا خطأ، وقد أنكر النبي ﷺ على الذي قال: ومن يعصهما، فقال ﷺ: «أجعلتني لله نداً، بئس خطيب القوم أنت»([2])، مع أن الرجل لا يقصد، لكن الكلمة خطأ.
ومن الغلو ما يدعيه البعض مِنْ أنَّ النبي ﷺ ليس له ظل، لماذا؟ قال: حتى لا يطأ أحد على ظل النبي ﷺ، مع أن النبيَّ ﷺ كُسرتْ رباعيته([3])، وشُجَّ وجهُهُ وأُلقي سلا البعير بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه، وأُدميت قدماه في سبيل الله ــ جل وعلا ــ.
وأما ما يقال مِنْ إن الأنبياء يولدون مختونين، فهذا علمه عند الله، لم يثبت من هذا شيء أبداً، لا في محمد ولا غيره، ولكن في كتاب «صحيح البخاري» أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام اختتن وقد بلغ الثمانين من عمره([4]).
ومن الغلو كذلك: قول بعض الناس «الله ورسوله أعلم»، وهذا غلو إلا إذا كان في أمر الشرع، فإذا سُئل في مسألة شرعية: ما حكم كذا؟ فإنه يجوز له أن يقول: «الله ورسوله أعلم»؛ لأن الرسول يعلم جميع أمر الشرع صلوات الله وسلامه عليه، لكن لا يجوز أبداً أن يقال أين فلان؟ فنقول: الله ورسوله أعلم، فالرسول لا يعلم أين فلان، الله وحده هو الذي يعلم ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ فلا يجوز أن نقول الله ورسوله أعلم إلا في الأمور الشرعية فقط أما غير الأمور الشرعية فنقول الله أعلم فقط([5]).
كذا من الغلو أن يُدعى الأنبياء من دون الله تبارك وتعالى؛ لأن هذا شرك بالله تبارك وتعالى، وهو محرم، وقد قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾، وقال: ﴿ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وقال مادحاً زكرياً عليه السلام وزوجه: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾، وقال: ﴿وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾ .
([1]) أخرجه البخاري (3445) من حديث ابن عباس ؟ت، والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب عليه، قاله أبو السعادات.
([2]) أخرجه مسلم (870)، وأبو داود (1099، 4981)، والنسائي (3279)، بدون زيادة: «أجعلتني لله نداً»، وقد وردت في حديث آخر وهو حديث حسن، كما في «السلسلة الصحيحة» (139)، وانظر تعليق الشيخ الألباني رحمه الله عليه هناك.
([3]) رباعيته: أي سنه التي بين الثنية والناب. «فتح الباري» (7/423).
([4]) أخرجه البخاري (3356)، ومسلم (2370) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([5]) قال الشيخ بكر أبو زيد: «الأصل أن يقال: الله أعلم؛ لأن النبي ﷺ لا يعلم إلا ما يعلمه الله به، وجملة الكلام في هذا الإطلاق في مقامين: الأول: قول ذلك في حياة النبي ﷺ كما في حديث معاذ رضي الله عنه المشهور.. فهذا من أدب الصحابة ؟ث، وحسن أدبهم في التعلم.
الثاني: قولها بعد وفاة النبي ﷺ، وقد جرى إطلاقها عند بعض أهل العلم. لكن لم يحصل الوقوف على إطلاق الصحابة ؟ث لها بعد وفاته ﷺ بل الظاهر خلافه. وللفائدة راجع: «معجم المناهي اللفظية» ص128.