[85] منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي الكوفي، كان من أصحاب الباقر والصادق، وله عنهما عليهما السلام، كما نص عليه صاحب «منتهىٰ المقال في أحوال الرجال»، وعدّه ابن قتيبة من رجال الشيعة في «معارفه»، والجوزجاني عدّه في المحدثين الذين لا تحمد الناس مذاهبهم في أصول الدين وفروعه، لتعبدهم فيها بما جاء عن آل محمد، وذٰلك حيث قال: «كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق، ومنصور، وزبيد اليامي، والأعمش، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في الحديث.. الخ».

قلت: ما الذي نقموه من هـٰؤلاء الصادقين؟ أتمسكهم بالثقلين؟ أم ركوبهم سفينة النجاة؟ أم دخولهم مدينة علم النبي من بابها ــ باب حطة ــ ؟ أم التجاءهم إلىٰ أمان أهل الأرض؟ أم حفظهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته؟ أم خشوعهم لله وبكاءهم من خشيته؟ كما هو المأثور من سيرتهم، حتىٰ قال ابن سعد ــ حيث ترجم منصوراً في (6/235) من «طبقاته» ــ: «أنه عمش من البكاء من خشية الله تعالىٰ (قال) وكانت له خرقة ينشف بها الدموع من عينيه (قال): وزعموا أنه صام ستين وقامها.. الخ». فهل يكون مثل هـٰذا ثقيلاً علىٰ الناس مذموماً، كلا ولكن منينا بقوم لا ينصفون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، روىٰ ابن سعد في ترجمة منصور عن حماد بن زيد قال: «رأيت منصورا بمكة (قال): وأظنه من هـٰذه الخشبية، وما أظنه كان يكذب.. الخ».

قلت: ألا هلم فانظر إلىٰ الاستخفاف والتحامل، والامتهان والعداوة المتجلية من خلال هـٰذه الكلمة بكل المظاهر، وما أشد دهشتي عند وقوفي علىٰ قوله: «وما أظنه يكذب». وي، وي كأن الكذب من لوازم أولياء آل محمد، وكأن منصوراً جرىٰ في الصدق علىٰ خلاف الأصل، وكأن النواصب لم يجدوا لشيعة آل محمدا اسماً يطلقونه عليهم غير ألقاب الضعة، كالخشبية، والترابية، والرافضة، ونحو ذٰلك، وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالىٰ: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِٱلْأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلْاِسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلْإِيمَانِ﴾  [الحُجرَات: 11].

وقد ذكر ابن قتيبة الخشبية في كتابه «المعارف» فقال: «هم من الرافضة كان إبراهيم الأشتر لقي عبيد الله بن زياد، وأكثر أصحاب إبراهيم معهم الخشب فسموا الخشبية» اهـ. قلت: إنما نبزوهم بهـٰذا توهيناً لهم، واستهتاراً بقوتهم وعتادهم، لكن هـٰؤلاء الخشبية قتلوا بخشبهم سلف النواصب، ابن مرجانة، واستأصلوا شأفة أولئك المردة، قتلة آلمحمد ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾  [الأنعَام: 45] فلا بأس بهـٰذا اللقب الشريف، ولا بلقب الترابية نسبة إلىٰ أبي تراب، بل لنا بهما الشرف والفخر. شط بنا القلم، فلنرجع إلىٰ ما كنا فيه فنقول: اتفقت الكلمة علىٰ الاحتجاج بمنصور ولذا احتجّ به أصحاب «الصحاح الستة» وغيرهم مع العلم بتشيعه، ودونك حديثه في «صحيحي» البخاري، ومسلم عن كل من أبي وائل، وأبي الضحىٰ، وإبراهيم النخعي، وغيرهم من طبقتهم، روىٰ عنه عندهما كل من شعبة، والثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وغيرهم من أعلام تلك الطبقة، قال ابن سعد: وتوفي منصور في آخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة (قال): وكان ثقة مأموناً كثير الحديث رفيعاً عالياً ــ رحمه الله تعالىٰ ــ.