عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني
24-03-2023
[53] عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، كان من أعيان الشيعة وخيرة سلفهم الصالحين، وقد عدّه ابن قتيبة في كتابه ــ «المعارف» ــ من رجالهم، وذكر ابن الأثير وفاته في آخر حوادث سنة 211 من تاريخه «الكامل» فقال: «وفيها توفي عبدالرزاق بن همام الصنعاني المحدث (قال) وهو من مشائخ أحمد، وكان يتشيع» اهـ.
وذكره المتقي الهندي أثناء البحث عن الحديث (5994) من كنزه فنص علىٰ تشيعه، وذكره الذهبي في «ميزانه» فقال: «عبدالرزاق بن همام بن نافع الإمام أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الأعلام الثقات»، ثم استرسل في ترجمته إلىٰ أن قال: «وكتب شيئاً كثيراً وصنف الجامع الكبير وهو خزانة علم. ورحل الناس إليه، أحمد، وإسحاق، ويحيىٰ، والذهلي، والرمادي، وعبد»، ثم أضاف في أحواله إلىٰ أن نقل كلام العباس بن عبدالعظيم في تكذيبه، فأنكر الذهبي عليه ذٰلك، وقال: «هـٰذا ما وافق العباس عليه مسلم، بل سائر الحفاظ، وأئمة العلم يحتجون به»، ثم تتابع في ترجمته، فنقل عن الطيالسي أنه قال: «سمعت ابن معين يقول: سمعت من عبدالرزاق كلاماً يوماً فاستدللت به علىٰ تشيعه، فقلت: إن أساتيذك الذين أخذت عنهم، كلهم أصحاب سنّة، معمر، ومالك، وابن جريح، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هـٰذا المذهب ــ مذهب التشيع ــ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً حسن الهدي، فأخذت هـٰذا عنه».
قلت: يعترف عبدالرزاق في كلامه هـٰذا بالتشيع، ويدعي أنه أخذه عن جعفر الضبعي، لكن محمد بن أبي بكر المقدمي كان يرىٰ أن جعفر الضبعي قد أخذ التشيع عن عبدالرزاق، وكان يدعو علىٰ عبدالرزاق بسبب ذٰلك فيقول ــ كما في ترجمة جعفر الضبعي من «الميزان» ــ: فقدت عبدالرزاق، ما أفسد جعفراً غيره ــ يعني بالتشيع ــ» اهـ.
وقد أكثر ابن معين من الاحتجاج بعبدالرزاق، مع اعتراف عبدالرزاق بالتشيع أمامه كما سمعت. وقال أحمد بن أبي خيثمة: «قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن عبيد الله بن موسىٰ يرد حديثه للتشيع، فقال ابن معين: والله الذي لا إله إلا هو إن عبدالرزاق لأعلىٰ في ذٰلك من عبيد الله مئة ضعف، ولقد سمعت من عبدالرزاق أضعاف ما سمعت من عبيد الله».
وقال أبو صالح محمد بن إسماعيل الضراري: بلغنا ونحن بصنعاء عند عبدالرزاق أن أحمد وابن معين وغيرهما تركوا حديث عبدالرزاق أو كرهوه ــ لتشيعه ــ فدخلنا من ذٰلك غم شديد، وقلنا: قد أنفقنا ورحلنا وتعبنا، ثم خرجت مع الحجيج إلىٰ مكة فلقيت بها يحيىٰ فسألته، فقال: «يا أبا صالح لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه».
وذكره ابن عدي فقال: «حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد وبمثالب لغيرهم مناكير، ونسبوه إلىٰ التشيع» اهـ.
قلت: ومع ذٰلك فقد قيل لأحمد بن حنبل: هل رأيت أحسن حديثاً من عبدالرزاق؟ قال: «لا». وأخرج ابن القيسراني في آخر ترجمة عبدالرزاق من كتابه ــ «الجمع بين رجال الصحيحين» ــ بالإسناد إلىٰ الإمام أحمد، قال: «إذا اختلف الناس في حديث معمر، فالقول: ما قال عبدالرزاق» اهـ.
وقال مخلد الشعيري: «كنت عند عبدالرزاق فذكر رجل معاوية، فقال عبدالرزاق: لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان»، وعن زيد بن المبارك قال: «كنا عند عبدالرزاق فحدثنا بحديث بن الحدثان، فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس: جئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وهـٰذا جاء يطلب ميراث امرأته من أبيها، قال عبدالرزاق ــ كما في ترجمته من «الميزان» ــ: انظر إلىٰ هـٰذا الأنوك، يقول: من ابن أخيك! من أبيها! لا يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
قلت: ومع هـٰذا فقد أخذوا بأجمعهم عنه، واحتجوا عن بكرة أبيهم به، حتىٰ قيل ــ كما في ترجمته من «وفيات» ابن خلكان ــ: «ما رحل الناس إلىٰ أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما رحلوا إليه»، قال في «الوفيات»: «روىٰ عنه أئمة الإسلام في زمانه، منهم سفيان بن عيينة، وهو من شيوخه، وأحمد بن حنبل، ويحيىٰ بن معين، وغيرهم» اهـ.
قلت: ودونك حديثه في «الصحاح» كلها، وفي «المسانيد» بأسرها، فأنها مشحونة منه. كانت ولادته: تعالىٰ سنة ست وعشرين ومئة، وطلب العلم وهو ابن عشرين سنة، وتوفي في شوّال سنة إحدىٰ عشرة ومئتين، وأدرك من أيام الإمام أبي عبد الله الصادق اثنتين وعشرين سنة عاصره فيها [لأنه، صلوات الله وسلامه عليه توفي سنة مئة وثمان وأربعين، وله خمس وستون سنة]، ومات في أيام الإمام أبي جعفر الجواد قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بتسع سنين، حشره الله في زمرتهم، كما أخلص لله عز وجل في ولايتهم.