مَنْ قَتلَ الحُسَيْـنَ
21-03-2023
المبحث الثالث
مَنْ قَتلَ الحُسَيْـنَ رضي الله عنه؟
قَبْلَ أن نتعرَّفَ علىٰ قَتَلَةِ الحُسَيْنِ دَعُونا نَرْجِعُ سَنواتٍ قليلة إلىٰ عليٍّ والحسن مع شيعتِهما:
يَشْتَكي مِنْ شيعتهِ ــــ أهلِ الكوفةِ ــــ فيقولُ: «ولقد أَصْبَحَتِ الأُمَمُ تخافُ ظُلْمَ رُعاتِها وأَصبحتُ أخافُ ظُلمَ رَعِيَّتي. استَنْفَرتُكم للجهادِ فَلَم تَنْفِروا، وأَسْمَعتُكم فَلَم تَسْمَعوا، وَدَعَوتُكم سِرّاً وجهراً فلم تستجيبوا، ونَصَحْتُ لكم فَلَم تَقْبَلوا، أَشُهُودٌ كَغِيابٍ، وعبيدٌ كأربابٍ؟ أَتْلو عليكم الحُكْمَ فتنفرونَ منه، وأَعِظُكم بالموعظة البالغةِ فتتفرقون عنها، وأَحُثُّكُم علىٰ جهادِ أهلِ البغيِ فما آتي علىٰ آخر القولِ حتىٰ أراكم مُتَفَرِّقين أَياديَ سَبا([1])، تَرجعون إلىٰ مَجالِسكم، وتتخادعون عن مَواعِظِكم أُقَوِّمُكُم غُدْوَة، وترجعون إليَّ عشيةً كظهرِ الحَيَّةِ، عَجَزَ المُقَوِّمُ، وأَعْضَل المُقَوَّمُ أيها الشاهدةُ أبدانُهم، الغائبةُ عقولُهم، المُخْتَلِفَة أهواؤُهم، المبتلىٰ بهم أمراؤُهم صاحِبُكم يطيعُ اللهَ وأنتم تَعْصُونه، لَوَدَدْتُ ــــ والله ــــ أن معاويةَ صَارَفَنِي بِكم صَرْفَ الدِّينارِ بالدّرهمِ فَأَخَذَ منِّي عَشَرَةً منكم وأعطاني رجلاً منهم، يا أهلَ الكوفةِ مُنِيتُ بكم بثلاثٍ واثنتين: صُمٌّ ذوو أسماعٍ، وبُكْمٌ ذوو كلامٍ، وعُمْيٌ ذوو أبصارٍ، لا أحرارَ صدقٍ عندَ اللقاءِ، ولا إخوانَ ثِقَةٍ عندَ البلاءِ، تَرِبَتْ أَيديكم يا أشباهَ الإبلِ غابَ عنها رُعَاتُها، كُلَّما جُمِعَت من جانبٍ تَفَرَّقَتْ مِن جانبٍ آخرَ»([2]).
ولم يَقِفِ الأمرُ عندَ هذا الحدِّ بلِ اتَّهَموه ــــ والعياذُ باللهِ ــــ بالكَذِبِ:
فقد روىٰ الشريفُ الرَّضي عن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: «أمَّا بعدُ: يا أهلَ العراقِ فإنما أنتم كالمرأةِ الحاملِ، حَمَلَتْ فلمَّا أَتَمَّتْ أقلصتْ، ومات قَيِّمُها، وطَال تَأَيُّمُها، ووَرِثَها أبعدُها، أما والله ما أتيتكم اختياراً، ولكن جئتُ إليكم سَوقاً، ولقد بلغني أنكم تقولون: عليٌّ يكذبُ، قاتلكمُ اللهُ! فعلىٰ مَنْ أكذبُ؟»([3]).
وَقَالَ أَيْضاً رضي الله عنه: «قَاتَلَكُمُ اللهُ! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وَشَحنْتُم صَدْرِي غَيظاً، وجَرَّعْتُموني نَغَبَ التَهْمام أنفاساً، وأفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان والخذلان»([4]).
([1]) جملة يضرب بها المثل في الفرقة، انظر: «لسان العرب» (سبأ).
([2]) «نهج البلاغة» (١/١٨٧ ــــ ١٨٩).