ومما ورد في فَضْلِه  رضي الله عنه:

  • قَالَ رَسُولُ  الله عنه: «اللَّهُمَّ اجْعَلْه هَادِياً مَهْدِيّاً، وَاهْدِ به»([1]).
  • وقَالَ رَسُولُ  الله: «اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاويةَ الكِتَابَ والحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ»([2]).
  • وعن أُمِّ حَرَام بنتِ ملْحَانَ قَالَتْ: نَامَ النَّبيُّ يوماً قريباً مِنِّي ثمَّ اسْتَيقَظَ يَبْتَسِمُ فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكك؟ قَالَ: «أنَاسٌ من أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، يَرْكَبُونَ هَذَا البَحْرَ الأَخْضَر كَالمُلُوكِ علىٰ الأَسِرَّةِ».

  قَالَتْ: فَادْعُ  اللهَ أَن يَجْعَلَني مِنْهُم. فَدَعَا لَها، ثُمَّ نَامَ الثَّانيةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَت مثل قَولهَا، فَأَجَابَها مِثْلَهَا، فَقَالَت: ادْعُ  اللهَ أَن يَجَعَلَني مِنْهُم. فَقَالَ: «أَنْتِ من الأَوَّلِينَ».

  فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادةَ بن الصَّامِتِ غَازِياً أَوَّلَ مَا رَكِبَ المُسْلِمُونَ البَحْرَ مَعَ مُعَاويةَ، فَلَّمَا انْصَرَفُوا من غَزْوهِم قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ فَقُرِّبَتْ إِلَيهَا دَابّةٌ لِتَرْكَبَها فَصَرَعَتْها فَمَاتَتْ([3]).

  قَالَ المُهَلَّبُ بنُ أَحْمدَ الأَنْدلسيّ ــــ أَحَدُ شُرَّاحِ البُخَارِيّ ــــ: «في هَذَا الحَدِيثِ مَنْقَبةٌ لِمعاويةَ؛ لأَنَّه أَوَّلُ من غَزَا البَحْرَ»([4]).

  ومِنَ المُتّفقِ عَليهِ بَيْنَ المُؤرّخينَ أنّ غَزْو البَحْرِ وفَتْحَ جَزيرةِ قُبْرص كانَ في سَنة (٢٧هــــ) في إمارَةِ مُعاويةَ علىٰ الشّام، أثْناء خِلافَةِ عُثمانَ.

  ولَمّا قَدِمَ عُمَرُ الشّامَ، تَلَقّاهُ مُعاويةُ في مَوكِبٍ عَظيمٍ، وهَيئَةٍ، فَلَمّا دَنا مِنهُ، قال: أَنتَ صاحِبُ المَوكِبِ العَظيمِ؟ قال: نَعَم. قال: مَعَ ما بَلَغَني عنكَ مِن طولِ وُقوفِ ذَوي الحاجاتِ بِبابِكَ؟ قال: نَعَم. قال: ولِمَ تَفعَلُ ذَلِكَ؟ قال: نَحنُ بِأَرضٍ جَواسيسُ العَدو بِها كَثيرٌ، فَيَجِبُ أَن نُظهِرَ مِن عِزِّ السُّلطانِ ما يُرهِبُهُم، فان نَهَيتَني، انتَهَيتُ. قال: يا مُعاويةُ! ما أَسأَلُكَ عن شَيءٍ إِلَّا تَرَكتَني في مِثلِ رَواجِبِ الضَّرِسِ، لَئِن كانَ ما قُلتَ حَقّاً، إِنَّهُ لَرايُ أَريبٍ، وان كانَ باطِلاً، فانَّهُ لَخُدعَةُ أَديبٍ. قال: فَمُرني. قال: لَا آمُرُكَ، ولَا أَنهاكَ. فَقيلَ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ! ما أَحسَنَ ما صَدَرَ عَمّا أَورَدتَهُ. قال: لِحُسنِ مَصادِرِهِ ومَوارِدِهِ جَشَّمناهُ ما جَشَّمناهُ([5]).

  وقدْ جَمَعَ عُمَرُ الشّامَ كُلَّها لِمُعاويةَ، وأقَرَّهُ عُثمانُ.

  عن ابنِ عُمَرَ  قال: ما رأيتُ أَحَداً أَسودَ مِن مُعاويةَ. قيلَ لَهُ: ولَا عُمَرُ؟ قال: كانَ عُمَرُ خَيراً مِنهُ، وكانَ مُعاويةُ أَسودَ مِنهُ([6]).

  سُئِلَ ابنُ المُباركِ عن مُعَاويةَ؟ فَقَالَ: مَاذَا أَقُولُ في رَجُلٍ قَالَ رَسُولُ  الله: «سَمِعَ  اللهُ لِمَنْ حَمِدَه» فَقَالَ مُعَاويةُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ([7]).

  وقِيلَ لابن المُباركِ: أَيُّهُما أَفْضَلُ هو أَمْ عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ؟ فَقَالَ: «لَتُرَابٌ في مِنخَرَي مُعَاوية مَعَ رَسُولِ  الله خَيرٌ وأَفْضَلُ من عُمْرَ بنِ عبدِ  العَزِيز»([8]).

  وسُئِلَ المُعَافىٰ بنُ عمْرانَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ مُعَاويةُ أَمْ عُمَرُ بنُ عبدِ  العَزِيزِ؟ فَغَضِبَ، وقَالَ لِلسَّائِلِ: «أَتَجْعَلُ رَجُلاً منَ الصَّحَابةِ مِثْلَ رَجُلٍ منَ التَّابِعينَ، مُعَاويةُ صَاحِبُه، وصِهْرُه، وكَاتِبهُ، وأَمِينُه علىٰ وَحْيه»([9]).

  وقال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: قيلَ لابنِ عباسٍ: هل لك في أميرِ المؤمنينَ معاويةَ، فإنه ما أوترَ إلّا بواحدةٍ. فقال: إنه فقيهٌ([10]).

  وعنِ الأعْمشِ أنّه ذُكِرَ عندَهُ عُمَرُ بْنُ عبد العزيزِ وعَدْلُهُ، فقالَ: فَكيفَ لَوْ أدْرَكْتمْ مُعاويةَ؟ قالوا: يا أبا محَمدٍ! يعني في حِلْمِه؟ قال: لا والله، بَلْ في عَدْلِه([11]).

  قال الذهبي رحمه الله: «حَسبُكَ بِمَن يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثمانُ عَلَىٰ إِقليمٍ وهو ثَغرٌ فَيَضبِطُهُ، ويَقومُ بِهِ أَتَمَّ قيامٍ، ويُرضي النّاسَ بِسَخائِهِ وحِلمِهِ، وإن كانَ بَعضُهُم تألَّمَ مَرَّةً مِنهُ، وكَذَلِكَ فَليَكُنِ المَلِكُ. وان كانَ غَيرُهُ مِن أَصحابِ رَسولِ الله خَيراً مِنهُ بِكَثيرٍ وأفضَلَ وأصلَحَ، فَهَذا الرَّجُلُ سادَ وساسَ العالَمَ بِكَمالِ عَقلِهِ، وفَرطِ حِلمِهِ، وسَعَةِ نَفسِهِ، وقوةِ دَهائِهِ ورأيِهِ. ولَهُ هَناتٌ وأمورٌ، والله المَوعِدُ، وكانَ مُحَبباً إِلَىٰ رَعيتِهِ»([12]).

  وقال رحمه الله: «وخَلفَ مُعاويةَ خَلقٌ كَثيرٌ يُحِبّونَهُ ويَتَغالونَ فيهِ، ويُفَضِّلونَهُ، إِمّا قَد مَلَكَهُم بِالكَرَمِ والحِلمِ والعَطاءِ، وإمّا قَد وُلِدوا في الشّامِ عَلَىٰ حُبِّهِ، وتَرَبَّىٰ أَولَادُهُم عَلَىٰ ذَلِكَ.

  وفيهِم جَماعَةٌ يَسيرَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ، وعَدَدٌ كَثيرٌ مِنَ التّابِعينَ والفُضَلَاءِ، وحارَبوا مَعَهُ أَهلَ العِراقِ، ونَشَؤوا عَلَىٰ النَّصبِ نَعوذُ بالله مِنَ الهَوىٰ. كما قَد نَشأ جَيشُ عَلي ورَعيتُهُ إِلَّا الخَوارِجَ مِنهُم عَلَىٰ حُبِّهِ، والقيامِ مَعَهُ، وبُغضِ مَن بَغَىٰ عَلَيهِ، والتَّبَرّي مِنهُم، وغَلَا خَلقٌ مِنهُم في التَّشَيُّعِ.

  فَبِالله كَيفَ يَكونُ حالُ مَن نَشا في إِقليمٍ، لَا يَكادُ يُشاهِدُ فيهِ إِلَّا غالياً في الحُبِّ، مُفرِطاً في البُغضِ، ومِن أَينَ يَقَعُ لَهُ الإِنصافُ والاعتِدالُ؟

فنَحمَدُ الله عَلَىٰ العافيةِ الَّذي أَوجَدَنا في زَمانٍ قَدِ انمَحَصَ فيهِ الحَقُّ، واتَّضَحَ مِنَ الطَّرَفَينِ، وعَرَفنا مأخذَ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الطّائِفَتَينِ، وتَبَصَّرنا، فَعَذَرنا، واستَغفَرنا، وأحبَبنا بِاقتِصادٍ، وتَرَحَّمنا عَلَىٰ البُغاةِ بِتأويلٍ سائِغٍ في الجُملَةِ، أَو بِخَطأ ــــ إِن شاءَ الله ــــ مَغفورٍ، وقُلنا كَما عَلَّمَنا الله﴿ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمن ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ١٠﴾ [الحشر: ١٠]. وتَرَضَّينا أَيضاً عَمَّنِ اعتَزَلَ الفَريقَينِ، كَسَعدِ بنِ أَبي وقّاصٍ، وابنِ عُمَرَ، ومُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ، وسَعيدِ بنِ زَيدٍ، وخَلقٍ. وتَبَرّأنا مِنَ الخَوارِجِ المارِقينَ الَّذينَ حارَبوا عَلياً، وكَفَّروا الفَريقَينِ، فالخَوارِجُ كِلَابُ النّارِ، قَد مَرَقوا مِنَ الدّينِ، ومَعَ هَذا فَلَا نَقطَعُ لَهُم بِخُلودِ النّارِ، كَما نَقطَعُ بِهِ لِعَبَدَةِ الأَصنامِ والصُّلبانِ»([13]).

  وقَالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله: «وطَمِعَ في مُعاويةَ مَلِكُ الرُّومِ بعدَ أَنْ كَانَ قَدْ أَخْشَاهُ وأَذَلّه وقَهَرَ جُنْدَه ودَحَاهُم، فَلَمَّا رَأَىٰ مَلِكُ الرُّومِ انْشِغَالَ مُعَاويةَ بِحَرْبِ عَليٍّ تَدَانَىٰ إِلَىٰ بعضِ البِلَادِ في جُنُودٍ عَظِيمةٍ وطَمَعَ فيه، فَكَتَبَ مُعَاويةُ إِلَيه: واللهِ لَئِن لَم تَنْتَهِ وتَرْجِعْ إِلَىٰ بِلَادِكَ يا لَعين؛ لأَصْطَلِحَنَّ أَنَا وابنُ عَمِّي عَلَيكَ، وَلأُخْرِجَنَّك من جميع بِلادِكَ، ولأُضَيِّقَنَّ عَلَيك الأرْضَ بِمَا رَحُبَتْ. فَعِندَ ذَلِكَ خَافَ مَلِكُ الرُّومِ، وَانْكفَّ وَبَعَثَ يَطْلُبُ الهُدْنةَ»([14]).

 

([1])    أخرجه الترمذي (٣٨٤٢)، وصححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي»، و«السلسلة الصحيحة» برقم (١٩٦٩).

([2])   أخرجه أحمد (٤/١٢٧).

([3])   أخرجه البخاري (٢٨٠٠).

([4])   «فتح الباري» (٦/١٢٠).

([5])   «سير أعلام النبلاء» (٣/١٣٣)، «البداية والنهاية» (٨/١٣٣).

([6])   «تاريخ دمشق» (٥٩/١٧٣».

([7])   «البداية والنهاية» (٨/١٣٠).

([8])   «البداية والنهاية» (٨/١٣٠).

([9])   «البداية والنهاية» (٨/١٣٠).

([10]) أخرجه البخاري (٣٧٦٥).

([11]) «السنة» للخلال (٦٦٧).

([12]) «سير أعلام النبلاء» (٣/١٣٣).

([13]) «سير أعلام النبلاء» (٣/١٢٨).

([14]) «البداية والنهاية» (٨/١١٩).