الشروط العمرية
19-03-2023
الشروط العمرية:
هي شروط أَخَذَها عمرُ علىٰ النَّصارىٰ ثَبتَتْ جُملةً. قالَ ابنُ القَيَّم: «إِنَّ شُهرتَها تُغْني عن إِسنادها، وَنَقَلَ ابنُ تيميَّةَ الإجماع عَلىٰ ثُبوتِها جُملةً، أمَّا تفصيلاً: فهذا راجعٌ لأسانيدها»([1]).
نَصُّ الشروط العمرية:
كتب أهلُ الجزيرةِ من النصارىٰ إلىٰ عبد الرحمٰنِ بنِ غُنْمٍ: إِنَّا حين قَدِمْتَ بلادَنا طَلَبنا إليكَ الأمانَ لأنفُسِنا وأَهلِ مِلَّتِنا علىٰ أَنَّا شَرَطْنا لك علىٰ أَنفُسِنا أَلَّا نُحْدِثَ في مدينتنا كَنيسةً، ولا فيما حولَها دَيْراً، ولا قِلايةً([2])، ولا صَومعة راهبٍ، ولا نُجَدِّدُ ما خَرَبَ من كنائِسنا، ولا ما كان منها في خُطَطِ المسلمين، وألا نَمْنَع كنائِسَنا من المسلمين أن يَنْزِلوها في الليلِ والنهارِ، وأن نُوَسِّعَ أَبوابَها للمَارَّةِ وابنِ السبيل، ولا نُؤوي فيها ولا في منازِلنا جاسوساً، وألا نَكْتُمَ غِشَّا للمسلمين، وأَلَّا نَضْرِبَ بِنَواقِيسِنا إلا ضَرْباً خَفياً في جَوفِ كَنائِسِنا، ولا نُظْهِرَ عليها صَليباً، ولا نرفع أصواتَنا في الصلاة، ولا القراءة في كنائسنا فيما يَحْضُرُه المسلمون، وأَلَّا نُخرجَ صَليباً ولا كتاباً في سُوقِ المسلمين، وألا نخرج باعوثاً، قالَ: والباعوثُ يجتمعونَ كما يَخرجُ المسلمون يوم الأَضْحَىٰ والفطرِ، ولا شعانين([3]) ولا نرفعَ أصواتَنا مع موتانا، ولا نُظْهِرَ النيرانَ معهم في أسواق المسلمين، وأَلَّا نجاورَهم بالخنازير، ولا ببيع الخُمور، ولا نُظْهِرَ شِركاً ولا نُرَغِّبَ في دِيننا، ولا ندعو إِليه أَحداً، ولا نَتَّخِذَ شيئاً من الرقيق الذي جَرَتْ عليه سهامُ المسلمين، وألَّا نمنعَ أحداً من أقربائِنا أرادوا الدخولَ في الإِسلام، وأن نلزمَ زَيَّنا حَيثُما كنا، وألا نتشبهَ بالمسلمين في لُبْسِ قُلُنْسُوةٍ ولا عِمامةٍ ولا نَعْلينِ، ولا فَرْقَ شَعْرٍ، ولا في مراكبِهم، ولا نتكلمَ بِكلامِهم، ولا نَكْتَني بكُناهم، وأَنْ نَجُزَّ مقادِمَ رُؤوسِنا، ولا نَفْرَق نَواصينا، ونَشُدَّ الزَنانيرَ([4]) علىٰ أوساطِنا، ولا نَنْقُشَ خَواتمِنا بالعربية، ولا نركبَ السُّروجَ، ولا نَتَّخِذَ شيئاً من السلاح، ولا نَحمِلهُ، ولا نَتَقلَّدَ السيوفَ، وأن نُوقِّرَ المسلمين في مجالسهم، ونرشِدَهُم الطريقَ، ونقومَ لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوسَ، ولا نَطَّلعَ عليهم في منازلهم، ولا نعلمَ أولادنا القرآن، ولا يشارِكَ أَحَدٌ مِنَّا مسلماً في تجارةٍ إلا أن يكون إلىٰ المسلم أمرُ التجارة، وأَنْ نُضَيِّفَ كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام، ونطعمَه من أوسط ما نَجِدُ، ضَمَّنَّا لك ذلك علىٰ أنفُسِنا، وذرارِينا وأَزواجِنا، ومساكيننا، وإِنْ نحن غَيَّرْنا أو خَالَفنا عَمَّا شَرَطْنا علىٰ أنفسنا وقَبِلْنا الأمانَ عليه فلا ذِمَّةَ لنا، وقد حَلَّ لَكَ مِنَّا ما يِحَلُّ لأهل المعاندةِ والشقاقِ.
فكتب بذلك عبدُ الرحمٰن بنُ غُنْمٍ إلىٰ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهم، فكتب إليه عمرُ: أنِ أَمْضِ لهم ما سألوا، وألحِقْ فيهم حَرْفَينِ أشْتَرِطُهما عليهم مع ما شَرَطُوَا علىٰ أنفسهم: ألَّا يَشْتَروا من سبايانا([5]) شيئاً، ومن ضرب مسلماً عمداً فقد خَلَعَ عَهْدَه.
فَأَنْفَذَ عبدُ الرحمٰن بنُ غُنْمٍ ذلك، وأَقَرَّ مَنْ أَقامَ من الرومِ في مدائنِ الشام علىٰ هذا الشرط([6]).
([1]) المفصل في شرح الشروط العمرية (٢/٩٩).
([2]) قلاية القس: بضم القاف وتخفيف اللام وتشديدها أيضاً؛ منزل البطريرك، ولا تزال كلمة قلاية تطلق في القاهرة علىٰ منزل البطريرك. انظر: «معجم ما استعجم» (٣/١٠٩١). «تكملة المعاجم العربية» (٨/٣٧٥).
([3]) شعانين: مفرد، وعيد الشّعانين هو عيد مسيحيّ، يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح، يُحتفل فيه بذكرىٰ دخول السيِّد المسيح عليه السَّلام بيتَ المقدس. «معجم اللغة العربية المعاصرة» (٢/١٢١١).
([4]) شدّ الزنار أو الزنارة علىٰ وسطه، وتزنر النصراني، وتقول رمىٰ الله تعالىٰ بالزنانير، أصحاب الزنانير؛ أي: بالحصىٰ. «أساس البلاغة» (١/٢٠٢).