وقال جابر بن زيد: إن نظر فأمنى يتم صومه حدثنا محمد بن المثني حدثنا يحيى عن هشام قال: أخبرني أبي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ح) وحدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ.
حدثنا مسدد حدثنا عن هشام بن أبي عبد الله حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب ابنة أم سلمة عن أمها - رضي الله عنها - قالت:
بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟» قلت: نعم فدخلت معه في الخميلة وكانت هي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم.
الشرح: عقد المؤلف بعد باب المباشرة للصائم باب القبلة للصائم ثم أسند حديث عائشة. وسبب ضحك عائشة للسائل: لأنها تعلم أن السائل يعلم أنها هي التي قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد صرحت بهذا في رواية القاسم بن محمد وهي عمته
صرحت أنه كان يقبلها وهو صائم وكذلك رواية عروة وهي خالته وكلها عند مسلم وكذلك وقع لحفصة عند مسلم وكذلك أم سلمة. مسألة: إن قال قائل ظاهر الآية: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أنه لا يجوز المباشرة ولا التقبيل بعد الفجر والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل ويباشر بعد الفجر؟ الجواب: أن المباشر المقصود بها في القرآن هي الجماع ولها معان أخرى مثل الضم والتقبيل فالمراد به في الآية هو الجماع، فإنه يجوز في الليل وأما إذا طلع فإنه يمنع الجماع ويبقى المعاني الأخرى للمباشرة وهي الضم والتقبيل. مسألة: في قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} نقول أن المراد واحد والحكم واحد، وهو أنه لا يبطل الاعتكاف إلا الجماع وهو المراد به المباشرة في الآية.
مسألة: إن قال قائل أنا أخشى إن أمذيت أن يتدرج الأمر إلى الإنزال؟
الجواب: أما المني فقد تقدم الكلام عنه أنه من المفطرات وخالف ابن حزم: وجماعة من المتأخرين وقالوا: إن الإنزال ليس بمفطر وقالوا: المفطر إنما هو الجماع. ويُرَد على هؤلاء ابن حزم ومن تبعه فيمن سار على منهجه في هذه المسألة وغيرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي قال: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي» فتفسير هذه الشهوة هي الموجودة في حديث أبي ذر: «أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر» فالمراد بالشهوة هنا الإنزال في الفرج والدليل على ذلك قوله: «أي يضعها» والمراد بالوضع هو الإنزال فالصحيح في المسألة أن الإنزال من المفطرات والجماع من المفطرات. تنبيه: ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري حديثًا مرويًا عن عمر لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة قال: «أرأيت لو تمضمضت؟» ثم ذكر أن هذا الحديث رواه النسائي وأبو داود من حديث عمر وقال النسائي: هذا الحديث منكر وقد صححه ابن حبان والحاكم وابن خزيمة وهذا الحديث وجه النكارة فيه أن المشهور عن عمر بن الخطاب المنع من القبلة للصائم فكيف يروي الحديث ويخالفه وهذا وجه استنكار النسائي، وهذا الحديث حسنه ابن المديني وهو لا بأس به وقد نقل التحسين ابن كثير في مسند الفاروق.
مسألة: الصحيح أنه لا فرق بين الشباب والشيخ في التقبيل وأن مدارها على الشهوة إذا كان يستطيع أن يملك نفسه فله التقبيل وإذا كان لا يستطيع أن يملك نفسه فليس له التقبيل والأحاديث التي فيها التفريق بين الشاب والشيخ في التقبيل منها:
حديث أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له الشيخ والذي نهاه شاب وهذا الحديث لا يثبت فيه أبو العنبس مجهول وجاء من حديث ابن عباس عند ابن ماجه وحديث عبد الله بن عمر عند أحمد وكلها ضعيفة. والدلالة على عدم التفريق بين الشاب والشيخ في القبلة من وجوه:
1 - أن عائشة - رضي الله عنها - راوية حديث التقبيل وهي شابه وقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي ابنة الثامنة عشرة سنة وهي وإن كانت تقبل لكن يبقى الحكم يتعدى لها.
2 - أيضًا ما رواه مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «سل أمك فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم» وهذا الحديث أخرجه مسلم وفي بعض ألفاظه «سل أم سلمة» وقد زعم ابن العراقي في «طرح التريب» بأن عمر بن أبي سلمة هذا هو الحميري وليس ابن أم سلمة وقال أنه قد رواه البيهقي وبينه أنه الحميري. قلت: وقد رجعت إلى سنن البيهقي ولم أجد ما قاله، ولما ترجم ابن حجر في الإصابة لعمر بن أبي سلمة قال ومن حديثه وذكر هذا الحديث وكأنه يريد بهذا الرد على ابن العراقي في «طرح التثريب».
ولكن هنا إشكال وهو أن عمر بن أبي سلمة حينما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة كان صغيرًا؛ لأن عمر بن أبي سلمة ولد في السنة الثانية من الهجرة في الحبشة مع أمه وأبيه وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وله من العمر تسع سنوات كما قال ابن عبد البر فهل مثل هذا يسأل عن القبلة للصائم؟ الجواب: قد يقال أنه أرسله بعضهم وهذا يقع كثيرًا أن الإنسان لا يسأل بنفسه وإنما يوكل غيره بالسؤال وعلى كل حال الأمر سهل في ذلك.
الخلاصة: أن مدار الأمر في التقبيل على الشهوة فهي لا تضبط بسن ما دام الإنسان يملك نفسه فلا بأس بذلك وأما إذا كان لا يملك نفسه فإن المظنة تنزل منزلة المئنة فتمنع حتى لا يقع الفطر بالإنزال أو الجماع، فانظر ما يطرفك محلى ابن حزم (6/ 211) وما بعده، ولولا خشية الإطالة وغير ذلك لنقلناه بتمامه، وقد ذهب إلى أن التقبيل سنة. قلت: وهو كذلك.
|