العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراحُ المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال - تعالى -: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:  58].

قال بعض العارفين: ما فرح أحدٌ بغير الله إلا لغفلتِه عن الله، فالغافلُ يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.

لما قدم النبي ﷺ المدينة كان لهم يومانِ يلعبون فيهما، فقال: «إن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما: يوم الفطر، والأضحى»؛ أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.

والحديث دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوبٌ، وأن ذلك من الشريعة، فيجوز التوسعة على العيال في الأعياد بما يحصل لهم من ترويح البدن، وبسط النفس، مما ليس بمحظور ولا شاغل عن طاعة الله.

وأما ما يفعله كثير من الناس في الأعياد من التوسع في الملاهي والملاعب، فلا يجوز؛ لأن ذلك خلاف ما شرع لهم من إقامة ذكر الله، فليستِ الأعياد للهو واللعب والإضاعة، وإنما هي لإقامة ذكر الله والاجتهاد في الطاعة، فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو، يومي الذِّكر والشكر والمغفرة والعفو.

ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة.

فأما العيد المتكرر، فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.

وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام، وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة، فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مترتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيامَ شهرهم المفروض عليهم، استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار، فإن صيامه يوجب مغفرةَ ما تقدَّم من الذنوب، وآخره عتق من النار، يعتق فيه مِن النار مَن استحقَّها بذنوبه، فشرع الله - تعالى - لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيدًا يجتمعون فيه على شكر الله وذِكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز، يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم، ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.

والعيد الثاني عيد النحر، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجَّهم غفر لهم.

فهذه أعياد المسلمين في الدنيا، وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب، وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب([1]).

 

([1]) انظر: "لطائف المعارف"، لابن رجب، ص 285- 288.