أنزل القرآن لكي يقرأَه المسلمون، ويتعلموا معانيه، ويعرفوا ما فيه من أوامر فيمتثلوها، ونواهٍ فيجتنبوها، وأحكامٍ فيُطَبِّقوها، وأخبارٍ فيصدقوها، وما فيه من وعْد بالثواب فيرجوه، ومن وعيد بالعقاب فيخافوه، وبذلك يتَحَقَّق إيمانُهم، ويتمُّ إسلامُهم، ويستحقون الثواب العظيم، ويسلمون من العذاب الأليم، فالقُرآن حجَّة لك إن عملتَ به، وحجة عليك إن لَم تعمل به.

فتقرَّب - أيها المسلم - إلى الله - تعالى - بتلاوة كتابه آناء الليل والنهار، فمَن قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وتقرب إليه بفهم كلامه، ومعرفة معانيه وأوامره ونواهيه، وأحكامه وحدوده، وحلاله وحرامه، ووعده ووعيده، وثوابه وعقابه، فقبيحٌ بشخص يقرأ كلامًا لا يعرف معناه، لو أتاك خطاب من صديق لك لَم تطمئنَّ نفسُك حتى تقرأه، وتعرف معناه، فكيف بكلام ربك الذي فيه سعادتُك ونجاتك؟! ثم إذا قرأتَه وعرفتَ معناه، وجب عليك أن تعمل به في جميع شؤونك؛ امتثالاً لأمر ربك، وطَلَبًا لمرضاته وثوابه الكريم، وخوفًا من سخطه وعقابه الأليم، فقد تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة بقوله - تعالى -: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123]، فإذا قصر المسلم في قراءة القرآن، أو قصَّر في العمل به، فقد هجَرَهُ: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].

وفي فضل القرآن قال الله - تعالى -: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89]، وقال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]، وقال ﷺ ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))؛ رواه البخاري، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلاَّ نزلتْ عليهم السكينة، وغشيتْهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذَكَرَهُم الله فيمَن عنده))؛ رواه مسلم، وقال: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ رواه مسلم.

وفضائل كلام الله وفوائده لا تُحصى، اللهم اجعلنا وجميع المسلمين من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يا أرحم الراحمين، واجعله حجة لنا لا حجة علينا، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله على محمد.